حزب البعث العربي الاشتراكي الاردني
مكتب الثقافة والاعلام
حول مقالة
[القوميون العرب والانظمة القومية والاسلام… د. رحيل غرايبه]
مقالة الدكتور رحيل غرايبه المنشورة في الصفحة الاخيرة من صحيفة [العرب اليوم] بتاريخ 5/حزيران/2012 لا ندري ان كان تاريخ نشرها مرتباً ومقصوداً لطروحاته في ذكرى الانتكاسه الكبرى لعام 1967… ولكن وعلى اي حال فإن الوقت والموضوع يجيء نشازاً فكرياً وسياسياً وطنياً في هذه المرحلة الى جانب انه خروج على الدعوات الصادقة لتوحيد الصفوف والجهود الوطنية بمواجهة تحديات وافكار وطروحات المنظرين الاطلسيين المتصهينين وعلى رأسهم [كونزا ليسا رايس] بما يسمونه [الفوضى الخلاقه] وتطبيقاتها العميلة حتى الآن في اكثر من ساحة عربية بعد ان ارتدتَّ حروب الغزو التي قادتها امريكا ضد العراق وافغانستان كوارث بشرية واقتصادية عليها وعلى شركائها.
وعودة الى المقالة المبحوث عنها ومن حيث المبدأ فإن الكاتب وكأحد اقطاب حزب [جماعة الاخوان المسلمين – او حزب جبهة العمل الاسلامي] في الاردن قد عبر معبراً تجزيئياً واضحاً وخطراً يتنافى – مرحلياً على الاقل – مع الالتزامات التي ارتبط بها ذلك الحزب مع القوى السياسية والحزبية المعارضة على مدى الاعوام الماضية وارضية النوايا المعلنه التي يفترض نها بعيدة عن مفهوم " التقيه " الامر الذي يمكن ان يترتب عليه اعادة النظر في صيغ وخرائط المرحلة وهو ما كانت تلك القوى تحاول تجاوزه للدفع بالمطالب الشعبية للاصلاح السياسي والاجتماعي في بلادنا بمواجهة قوى الشد العكسي المدعومة بالقدرات والمقدرات الهائلة سواء في الظاهر او من وراء مواقع القوة المترسخة عبر عقود من الحكم العرفي.
وإننا اذ نتفق مع الكاتب [قطب حزب الجماعة..] في ان بعض المؤسسات من مثل [المؤتمر القومي الاسلامي] وغيره لم تكن لتخرج في مجملها عن بعض المجاملات واللقاءات والمؤتمرات والمقالات الانشائية… لكن الكاتب يعلم بأن ليس للقوميين العرب والانظمة القومية العربية علاقة مباشرة في مثل تلك المؤسسات التي هم طرف فيها وان كانت تقع ضمن دائرة المحاولات في البحث عن السبل والطرق التي يمكن ان تقطع الطريق على مخططات وخلق اسباب التنافر وتفتيت الجبهة العربية الاسلامية خدمة للاغراض الدولية والاقليمية المعادية؛ وبذلك تبقى محاولات البحث عن تلك السبل باستمرار مشروعه بل وضرورية ولا نعتقد ان قطباً معروفاً في الجماعة له مصلحة في رفضها من حيث المبدأ
يزعم القطب المذكور انه قد استعصى عليه تبرير [موقف القوميين العرب والحركات القومية والعربية… من خلال الحكم الناصري في مصر، والحكم البعثي في كل من العراق وسوريا، اضافة الى جبهة التحرير في الجزائر، وحكم القذافي في ليبيا… لماذا هذا الموقف العدائي والسلبي من الاسلام…]
وهو بهذا القول يخلط واعياً وقاصداً دون شك بين اوضاع لانظمة ومؤسسات حكم واحزاب مختلفة في الشكل والجوهر والاسس ومثل هذا الخلط انما يأتي من منطلق التحريض والتكفير الديني ضد الغير على طريقة خطباء المساجد ولا نريد ان نتطرق اليها جميعها لئلا يطول الحديث… لكننا نأخذ على الكاتب (القطب) ولنا عتب كبير عليه ان يعمد الى زج اسم "البعث" على اعتباره احد الاحزاب القومية العربية في تبرير ما كان قد استعصى عليع فهمه، ومثل هذا الاستعصاء إما ان يكون مرده الى حجم القصور الفكري والثقافي في النظر الى الامور من خلال الثقوب الضيقه والرؤية المحددة او ان يكون امراً مقصوداً للتشهير بالآخرين والاعلام المضاد المجرد عن الشمول وبالتالي فهو يتجرد عن الموضوعية ويعمد الى الخلط خدمة لاغراضه السياسية الساعية الى الاستفادة من طبيعة مرحلة (الفوضى الخلاقة) الامريكية وهو ما يجد له اساس في الاتصالات المعروفة بين سياسيين (اسلاميين) وبين دوائر السياسية الغربية المعروفة باحقادها ضد جهات قومية عربية خاض الحروب والصراعات معها لعقود عديدة ماضية منذ حروب الاستقلال مروراً بالحروب من اجل النفط والاحلاف الاجنبية وحروب تأميم قناة السويس وتأميم النفط والمشاريع النهضوية القومية الاخرى التي جرى التآمر عليها لاحباطها فيما كان الاخرون يتعاملون ويناورون ويخوضون حروباً مدفوعة الثمن على غير الساحات العربية ولصالح قوى معادية غير عربية فيما تعاني ارضنا العربية ومقدساتها واطرافها من الغزو والاحتلال والنهب منذ مطلع القرن الماضي على اقل تقدير.
ويستمر الكاتب (القطب) في التساؤل بذات النهج للاثارة واستغلال اسم الاسلام واسم النبي العربي صلى الله عليه وسلم عن طريق المزيد من ذكر فضائل وقيم الاسلام ودوره العالمي والانساني فيقول:
[لماذا هذا الموقف العدائي والسلبي من الاسلام مع ان الاسلام هو الذي ملأ آنية العرب فكر وحضارة…]
الى ان يقول:
[القوميون العرب ينبغي ان يتبنوا الاسلام ونظمه الحضارية ورسالته الانسانية ويتعصبوا له من جهة الانتماء العرقي والقطري والقومي والمكاني…]
ثم يقول:
[ولكن العجب العجاب ان الغالبية العظمى من منظري القومية العربية تحاول افراغ الذهنيه العربية من الاسلام وقيمه، وتتجه الى استيراد فكر اشتراكي… ان الاسلام والعرب صنوان لا ينقسمان، والاسلام هنا بمعنى المشروع الحضاري…]
ويبدو من تلك المقاطع التي نقلناها بحرفيتها ان الكاتب (القطب) قد حدد اطلاعاته ومعالجاته وطروحاته بصورة قاصرة ضمن أطر ما قبل خمسينيات القرن الماضي على طريقة (اهل الكهف) مع كل التقديس والتقدير لعناصر تلك القصة الذين صحوا من سباتهم بعد ثلاثمائة عام وبعد ان تبدلت الاوضاع وسقطت العملات الدارجة…
ومن خلال مقالته يتبين انه تجاهل او ربما نأى بنفسه عن قراءة كتابات معظم مفكري الحركات القومية العربية وأدبيات ذلك الفكر وبخاصة فكر "البعث" ولا فيما طرأ عليه من تحولات عبر العقود الماضية ومن ذلك انه ذلك الكاتب (القطب) لا يرغب ان يشير او يعرف شيئاً عما جاء في محاضرة ريادية للمفكر والقائد المؤسس للبعث العربي الاشتراكي الاستاذ ميشيل عفلق عام 1943 [ في ذكرى الرسول العربي ] اعتبر فيها ان المفهوم الصحيح للاسلام كعقيدة دينية مقدسة ومُثُل هاديه وطاقة روحية محركة للمسلمين عرباً وغير عرب ثم كتراث حضاري وثيق الصلة بالعروبة منشأ وتطوراً يعتز به العرب مسلمين وغير مسلمين لانه يدخل في نسيج كيانهم القومي، وجاءت كتاباته واحاديثه التي جمعت بعنوان " البعث والتراث " مقاومة عنيدة وخصبة للاطروحات التي تقلل من شان العوامل المعنوية والروحية مكرراً مقولته [ان التصحيح يبدأ بحب الشعب وحب الشعب يعني حب الاسلام].
وبذلك فإن معنى الاعلان عن اعتناق الاسلام من قبل ذلك المفكر البعثي والقائد المؤسس مسمياً نفسه "احمد ميشيل عفلق" وخارج الاطار الذاتي الذي يهمه وحده انما هو الاعلان عن الاسهام في ارساء مفهوم الاسلام الصحيح.
وفي محاضرة لذلك المفكر شيخ رواد البعث بعنوان [نظرنا الى الدين] كانت في آذار 1956 نراه يقول:
[نحن لا نرضى عن الالحاد، ولا نشجع الالحاد ونعتبره موقفاً زائفاً في الحياة، موقفاً باطلاً وضاراً وكاذباً، اذ ان الحياة معناها الايمان والملحد كاذب لانه يقول شيئاً ويعتقد شيئاً آخر]
– وفي محاضرة له في نيسان 1956 القيت في طرابلس – لبنان – بعنوان قضية الدين في البعث العربي نراه يقول:
[الدين في صميم القضية العربية، والمواطن العربي الذي نعمل لتكوينه لم نرض له ان يتكون تكويناً ناقصاً او زائفاً…. نحن نعتبر ان الرجعية الدينية تؤلف مع الرجعية الاجتماعية معسكراً واحداً يدافع عن مصالح واحدة، وانها اكبر خطر يهدد الدين، ان هذه الرجعية التي تحمل لواء الدين في يومنا هذا وتتاجر به وتستغله وتحارب كل تحررٍ بأسمه وتدخله في كل صغيرة وكبيرة لكي تعيق الانطلاقة هي اكبر خطر على الدين…]
– اما شهيد الاضحى القائد البعثي الفارس صدام حسين فيذهب الى التأكيد في لقاء له مع مكتب الاعلام القومي بتاريخ 11/7/1988:
[أؤكد مرة ثانية، تعبيراً عن موقف حزبنا وقناعتي الصميمية بهذا الموضوع، ان حزبنا ليس حيادياً بين الالحاد وبين الايمان وانما هو مع الايمان دائماً ولكنه ليس حزباً دينياً ولا ينبغي ان يكون كذلك]
الى جانب المرحوم الاستاذ جلال السيد احد مؤسسي البعث العربي والنائب عن الحزب في مجلس النواب السوري آنذاك فقد قال في خطاب له بالجمعية التأسيسيه للدستور السوري بتاريخ 12/آب/1950:
[ليس الاعتدال والتطرف في المباديء الاشتراكية امراً تابعاً لهوى الاشخاص واجتهادهم النظري بل هو مرتبط بحاجات المجتمع…]
فالعجب العجاب "استعارة من مقالة الكاتب القطب الاخواني" ان يذهب الكاتب الى تشويه فكر اخرين واقصائهم ويعتبر انه واقرانه في الجماعة يملكون الحقيقة كل الحقيقة ويذهب الى عدم احترام الرأي الآخر لدى الآخرين فيتهم المفكرين القوميين بأنهم اتجهوا الى استيراد فكر اشتراكي يحمل بذور العداء للاسلام وحضارته وتاريخه والى طمس الهوية الاسلامية " بحمله نشويهية مليئة بكل معاني الحقد والكراهيه…. وهو ما يخالف بالمطلق حقائق الفكر القومي العربي قديمه وحديثه… والاعجب من العجاب ان ذلك الكاتب (القطب) يتهم العرب في مقالته تلك علناً بأنهم "شتات" وانه يدعو جهاراً الى التعنصر والشوفينيه والتعصب العرقي القطري والقومي والمكاني….
المقالة طويلة وبحاجة الى اكثر من معالجة وفي اكثر من موقع لكنها بمجملها لا تخرج عن اطار ما بلغه هؤلاء من ميكافيلليه وانتهازيه باتت واضحة ومعروفة على مدى علاقاتهم وتذبذب تلك العلاقات مع مختلف الانظمة العربية وصولاً الى التعاون المباشر مع القوى الكبرى وحلف الناتو ودول الخليج النفطية مما لم يعد امراً خافياً على الكافة. وان عدتم عدنا…..
القيادة العليا
حزب البعث العربي الاشتراكي الاردني
مكتب الثقافة والاعلام