عبدالله علي الشرهان
أخذت مشكلة الجزر العربية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، مكاناً مهماً في أولويات السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة ومازالت كذلك، كما أخذت منذ بدء احتلالها مكاناً ثابتاً في وعي المواطن الإماراتي كما العربي .
لقد اتسمت، وللأسف، العلاقات الإيرانية العربية على وجه العموم، والإيرانية الخليجية على وجه الخصوص، جراء السياسة الخارجية الإيرانية، وعبر مختلف المراحل والحكومات والأنظمة، بالتوتر طوال النصف الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم . ولوضع الأمور في سياقها التاريخي يمكن تأطير العلاقة الإيرانية العربية في التاريخ المعاصر ضمن ثلاث مراحل أساسية .
– أولاً: مرحلة حكم الشاه .
– ثانياً: مرحلة الثورة .
– ثالثاً: مرحلة الدولة الإيرانية المعاصرة .
أطماع متجددة
كانت مرحلة الشاه محمد رضا بهلوي مرحلة تجسيد للأطماع الفارسية القديمة والجديدة .
فشاه إيران، الذي تعزز موقعه بعد إعادته إلى السلطة عام 1953 إثر إسقاط حكومة مصدق الوطنية بدعم كامل من الولايات المتحدة، استفاد من الدعم الغربي الأمريكي اللامحدود لتحقيق الأطماع الفارسية الإقليمية، ومنها تكريس النفوذ والتأثير في الأوضاع في المنطقة، كما بدت واضحة استفادة الولايات المتحدة من جهتها في الحصول على مواقع متقدمة وساحة نفوذ جديدة كبيرة ومؤثرة في عموم منطقة الخليج .
وقد تأكد دور إيران أكثر فأكثر مع إعلان بريطانيا انسحابها من شرق السويس لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية . وبدأت إيران مهمتها الجديدة آنذاك بالإعلان عن “ملء الفراغ” في المنطقة .
هذا التغيير “الوصائي” الذي يعبّر عن سوء نية صريحة، يعني في الوقت ذاته إلغاءً صريحاً لدور شعب الخليج وأهله وتهميشاً لهم في أوطانهم، وقد كان مؤدى هذا الطرح من حيث جوهره، أن المنطقة يجب ألا تحصل على استقلالها، وأن تكون تابعة لقوة أخرى، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج سياسية واقتصادية وخيمة .
وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي وصل النفوذ الإيراني أوجه، وكانت إيران القوة الوحيدة في المنطقة، خاصة بعد التفويض الأمريكي الغربي المطلق ليلعب شاه إيران دوره “شرطي الخليج” . انعكس كل ذلك على التطورات السياسية في عموم المنطقة، وخاصة على الساحة الخليجية . وكان لذلك أبعد التأثيرات السلبية والتداعيات الخطرة في التوازن الاستراتيجي والأمن الإقليمي، وساد منطق القوة بدلاً من التفاهم والتعاون، ووصل التوتر ذروته .
وفضلاً عن ذلك، دفع تكريس مركز النفوذ وسياسة التسلح غير العادية من حيث حجم ونوعية التسليح، إيران إلى التطلع إلى أبعد من حدودها الجغرافية والسياسية المعروفة، وخاصة باتجاه الشق العربي من الخليج، وكان أحد مطالبها الأولى هو البحرين، قبل أن تطرح مسألة الجزر العربية الثلاث للمقايضة، لاسيما أنها كانت قد طرحت سابقاً في إطار الخلافات والصراعات الإقليمية على مناطق النفوذ والثروة . وكان من ضمن الترتيبات السياسية الإيرانية لمرحلة ما بعد الانسحاب البريطاني من الخليج، أن طرحت للتفاوض مسألة جزيرة أبو موسى التابعة لإمارة الشارقة، كما طرحت أيضاً مسألة جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لإمارة رأس الخيمة .
تركة ملغمة
وهكذا تركت بريطانيا، كما هو شأنها دائماً، مشكلة دائمة قابلة للتفجير في أي لحظة .
وفعلاً أعلنت إيران في فبراير/ شباط 1971 عن نيتها لاحتلال الجزر بالقوة قبيل الانسحاب البريطاني من الخليج، وكان من شأن هذا التفاهم بين بريطانيا وإيران أن تم فرض الاتفاق المعروض ب”مذكرة التفاهم” على الشارقة، والذي وقّعه المقيم السياسي البريطاني آنذاك “وليم لوس” نيابة عن الشارقة وباسمها، مع شاه إيران . وقد تضمنت هذه المذكرة مشاركة إيران في السيادة على الجزيرة والمشاركة في حصة من ثروتها النفطية .
وبشكل موازٍ لذلك، مارس المبعوث البريطاني ضغوطاً أخرى على حكومة رأس الخيمة، وقد طالبها بالتنازل عن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى لإيران خشية أن تحتلهما إيران بالقوة، ولم يكتف بذلك بل منع رأس الخيمة من الاتصال بالدول العربية لمطالبتها بتبني الموضوع وتحمل مسؤوليتهم العربية .
وهكذا وفي يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1971 نزلت القوات الإيرانية على الجزر العربية، وقامت باحتلال الجزيرتين، طنب الكبرى وطنب الصغرى، وفي اليوم التالي 30 نوفمبر من العام نفسه قامت باحتلال جزيرة أبو موسى .
هذا التوقيت لعملية الإنزال العسكري لم يخل من حسابات دقيقة . فقد كان التعجيل بالعملية العسكرية قبل إعلان الاتحاد الجديد في 2 ديسمبر/ كانون الأول ،1971 يهدف إلى تفادي ردود الأفعال والاستنكارات والإدانات العربية والعالمية والتي من شأنها أن تضعف، دون شك، الموقف الإيراني في نظر العالم، ذلك أن اعتداء إيران بعد إعلان قيام دولة الاتحاد ليس بالأمر السهل، لكن بريطانيا التي كانت الحامية الرسمية للجزر حتى ذلك التاريخ، فضلت أن تسلّمها لإيران قبل إعلان الاتحاد، وبذلك تكون قد أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق، بدلاً من أن تكون أمينة عليها بحكم كونها الدولة الحامية .
ومع مجيء الخميني عام 1979 لم تبادر حكومة الثورة الإيرانية إلى وضع حلول للمشكلات الإقليمية، كما لم تشأ أن تضع حداً نهائياً للتوترات التي تركها الشاه خلفه، فلم تبدِ حكومة رفسنجاني والحكومات الإيرانية المتعاقبة مرونة في التعامل مع جيرانها لحل تركة الشاه ومخلفات الاستعمار البريطاني، وبشكل خاص مشكلة الجزر .
إن هوية هذه الجزر الوطنية والتاريخية ليست مثار تساؤل، وذلك بحكم السياق التاريخي والسياسي الذي يثبت ذلك تماماً . فقد أصبح واضحاً وبما لا يقبل الشك أن احتلال الجزر قد أتى ضمن عملية ترتيبات استراتيجية واتفاق بريطاني إيراني .
وإذا نظرنا بشيء من التمعن إلى الاتفاق المعروف باسم مذكرة التفاهم بين الشارقة وإيران “أو بالأحرى بين بريطانيا وإيران”، نجد أن هذا الاتفاق هو بذاته إثبات قاطع على بطلان الادعاءات والمطالب الإيرانية . إذ كيف يمكننا أن نتصور أن الشاه بكل جبروته، والذي وصلت قوته العسكرية ذروتها في مطلع السبعينات، يقبل بأن يكون شريكاً للشارقة في جزيرة أبو موسى لو كانت ادعاءاته بهذه الجزيرة حقيقية، ناهيك عن الجزيرتين الأخريين ف”ملك الملوك”، “الإمبراطور” لا يمكن أن يقبل لا بأنصاف الحلول ولا بأرباعها، والحق الوطني والسيادة الحقيقية لا تقبل القسمة حتى مع أفضل الجيران .
ومن وجهة النظر القانونية البحتة، فإن هذه “الاتفاقية” التي وُقّعت، من دون أدنى شك، بالإكراه وفرضت على الشارقة التي أجبرت على توقيعها، هي اتفاقية غير متكافئة، وعليه فإنها معيبة وباطلة وغير ملزمة، طبقاً للقانون الدولي الذي لا يعترف بالاتفاقيات غير المتكافئة أو تلك الموقعة بالإكراه بسبب عدم توفر شرط الرضى .
وهكذا فإنه يجب فهم موضوع احتلال الجزر العربية الثلاث من قبل إيران، ووضعها في إطارها الصحيح من خلال السياق التاريخي والسياسي، ومن خلال الأطماع والنزاعات الإقليمية، وكذلك الصراع الإقليمي والتوازنات الاستراتيجية وسياسة ملء الفراغ ومخلفات الاستعمار، وليس من خلال ادعاءات باطلة لا تقوم على أي أساس قانوني أو أساس تاريخي.
وعليه فإن حكومة إيران اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بإعادة الجزر دون تأخير إلى حضن الوطن الأم دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تعرف حق المعرفة أنه لا يوجد تقادم مع الاحتلال .
دار الخليج:الثلاثاء ,17/04/2012
* عضو المجلس الوطني الاتحادي سابقاً