هاني الفردان
قال وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة: «إن من يريد الحوار، عليه الذهاب إلى المنطقة الدبلوماسية، بدلاً من السفر إلى الخارج».
ربما كان الوزير يشير في هذه الكلمة الغامضة إلى أن الحوار يجب أن يكون في العاصمة المنامة، وليس في أية عاصمة عربية أو أجنبية أخرى، وهذا ما نتمناه في أن يكون الحل لأزمتنا الداخلية شأناً داخلياً، من دون إقحام أي أطراف خارجية على الإطلاق.
نعم. الحوار شأن داخلي، ولكن ما دخل المنطقة الدبلوماسية فيه؟ فهل الحوار في مبنى وزارة العدل والشئون الإسلامية فقط؟ وهل كان هناك حوار؟ وإذا كان هناك حوار، فهل وزارة العدل قادرة على إدارته؟ وهل تملك الصلاحية اللازمة لذلك؟ وهل بيدها القرار لتتحاور وتتفاوض؟
ما حدث في الدبلوماسية وفي وزارة العدل، وبحسب بيانات الوزارة المتكررة، هو لقاءات لـ«دفع التفاهمات» فقط، فلم يصدر أي بيان عن وزير العدل بعد لقاء الجمعيات السياسية وذكر فيه كلمة «حوار»، وكل ما كنا نسمعه هو «دفع التفاهمات» و «رفض العنف وإدانته»، والرضا بالمؤسسات الدستورية الحالية والعمل تحت مظلتها.
إذاً، لم يكن هناك حوار في الدبلوماسية، وما شهدناه هي «دبلوماسية» سياسية لترويج إعلامي يخاطب الخارج، ولا يكترث بالداخل وتطلعاته، وبالتالي فإن الواقع يقول إن المنطقة الدبلوماسية لم تكن مسرحاً للحوار، ومبنى وزارة العدل لم يشهد غير لقاءات ثنائية بين الوزير والجمعيات، كان فيها الحديث من طرف واحد وفي اتجاه واحد، ولتحقيق غاية واحدة، وهي خلق هالة إعلامية لـ «حوار» غير مرئي لم تستطع الوزارة ذكره في بيان من بياناتها، خلال لقاءات عرفها الناس بـ «دفع التفاهمات» وهو مصطلح جديد اخترع من أجل الهروب من استحقاقات كلمة «الحوار» في حال ذكرها في أي بيان رسمي.
ربما أكثر كلمة يضيق منها الإنسان البحريني في هذه المرحلة كلمة «حوار» لأنها أكثر كلمة تجتر ولا تطبق، وتثير «الغثيان» و «الشك» و«الريبة» و «القلق»، حتى أصبحت منبوذةً من كل الفرقاء السياسيين! ولا تبرز إلى الساحة حتى تتوتر الأوضاع وتشحن النفوس وتزداد الآلام. والسؤال لكل من يطرح فكرة حوار: مع من يراد الحوار؟ هل سيكون مع المحتجين في الشوارع الذين يعتبرون فئة خائنة ومندسة؟ أم مع المعارضة السياسية التي تتهم بأنها مرتهنة للخارج، تتلقى أوامرها عبر قنصليات وسفارات أجنبية، وتروج الأكاذيب في الخارج، والتدخل في شئون دول شقيقة؟
إذاً مع من يراد الحوار؟ ولمن تفتح الأبواب؟ بالتأكيد ليس للمحتجين من الفئة «المندسة» في الشوارع، وليس مع المعارضة «الخائنة».
الحقيقة أنه لا يوجد حوار حقيقي، وما هو موجودٌ للاستهلاك الإعلامي الخارجي فقط لا غير، وحتى الرأي العام العالمي فطن للقضية، وأصبح يطالب بحوار جاد وحقيقي و «ذي مغزى».
هل الحوار سيكون فقط مع الموالين؟ فهم ليسوا محتاجين للحوار أصلاً، فنراهم يبصمون بالعشر على كل ما تقوله السلطة، وإن رأوه خطأً!
إذاً، لا تستغرب عزيزي القارئ، عندما يتم الحديث عن حوار، وفي الوقت ذاته عن عملاء وخونة وحملة ولاءات خارجية ومخططات صفوية، وأجندات تخريبية! لا تستغرب عندما تجد أن المدعو للحوار، هو ذاته المتهم بالخيانة، وأن من تجرى معه لقاءات التفاهم وتلاقي الرؤى هو ذاته العميل الخائن! بصدق لا تستغرب فما يحدث هو «إعلام» ومعارك للكلام.
لا تستغرب، أنت في البحرين، بأجوائها وسياساتها المتقلبة، فالحوار نهج قديم، وفي الوقت ذاته وعلى رغم قدمه، إلا أنه لابد من «تمهيد أرضيات» و «تقديم مقدمات» و «دفع تفاهمات» للدخول فيه!
لا تستغرب فالحوار نهج راسخ كما يقال في كل التصريحات، ولكن أيضاً على رغم رسوخه، فإنه يتطلب مقدمات وتفاهمات ليترسخ، فمع أنه راسخٌ إلا أنه يحتاج أيضاً إلى الترسيخ!
لا تستغرب! فقد تكتشف في يوم من الأيام أن الفئة الخائنة أصبحت شريفة ومخلصة! وأن الخونة هو أبناء الوطن الحقيقيون الذين يخافون على مصلحته!