في عدد 5 يناير عام 2009، نشرت جريدة "الشرق الاوسط" موضوعا طويلا حول الحدث كتبه مراسل من واشنطن.
الموضوع بدأ على النحو التالي:
"لم يحدث أن بادر الرئيس الأمريكي جورج بوش بالترويج لكتاب، بيد أنه اختار أن يقوم بذلك في أواخر أيامه في سدّة الرئاسة. عرض الرئيس بوش غلاف الكتاب أمام عدسات المصورين في غرفة المدفأة في البيت الأبيض، وإلى جانبه مؤلفة الكتاب التي لفّت جسمها بثوب ولم يظهر من وجهها شيء. قال بوش للصحفيين "أشعر بسعادة بالغة لزيارة الدكتورة حليمة بشير لـ(البيت الأبيض)، التي كتبت كتاباً بعنوان (دموع في الصحراء)، هذه الروح الطيبة تثير الاهتمام، وتبيّن كيف هي الحياة في دارفور. شاهدت حليمة العنف والحرمان، وهي تحمل رسالة كثيرين يريدون أن نساعدهم. لا أحد يدري ما إذا كان بوش الذي وضع الكتاب فوق طاولته قد قرأ الكتاب، لكن الثابت أن استقباله المؤلفة وعرضه الكتاب أمام الصحفيين، كان له أثر واضح على ارتفاع مبيعاته، حيث يتصدر حاليا مبيعات موقع "أمازون" بسعر25 دولاراً. أما حليمة، فبعد ذلك المؤتمر الصحفي، لم يظهر لها أثر. اذن، الكتاب الذي قدمه بوش الى العالم في هذا الحدث النادر، وهو الذي لم تكن له أي علاقة بالكتب ولا القراءة تقريبا، عنوانه " دموع في الصحراء" مع عنوان فرعي هو "مذكرات شخص من دارفور على قيد الحياة". والمؤلفة، حليمة بشير هي بحسب التعريف بها في ذلك الوقت، طبيبة سودانية كانت تعيش في دارفور، الى ان تمكنت من الهروب الى لندن. وشاركها في كتابة الكتاب صحفي بريطاني اسمه داميان لويس.
الكتاب يروي احداثا ووقائع حدثت في دارفور، المفروض ان حليمة شهدتها وعايشتها وكانت طرفا فيها في دارفور، وتؤكد انها وقعت كما روتها بالضبط.
في الكتاب، تروي حليمة وقائع ما قالت انها جرائم مروعة شهدتها في دارفور، ارتكبتها الميليشيات الموالية للحكومة السودانية، وكيف ان هذه الميليشيات مثلا ابادت قريتها عن آخرها، وقامت بمذابح وبعمليات اغتصاب جماعي للنساء. وتروي كيف انها هي شخصيا تعرضت لعمليات اغتصاب متكررة بعد اعتقالها.. الى آخر مثل هذه الجرائم المروعة.
بالطبع ، تم تنظيم حملة اعلامية هائلة للترويج للكتاب بعد ان دشنه بوش. وقرأنا في ذلك الوقت عروضا كثيرة للكتاب في مجلات وصحف شتى، اجنبية وعربية تركز خصوصا على ما يتضمنه من جرائم مزعومة ارتكبتها الحكومة السودانية في دارفور.
واصبح الكتاب احدى الادوات الكبرى في الحملة على السودان التي تابعنا فصولها في العامين الماضيين بصفة خاصة، وهي الحملة التي اتهمت فيها امريكا والدول الاوروبية وكثير من المنظمات الدولية الحكومة السودانية بارتكاب جرائم حرب في دارفور. وانتهت هذه الحملة كما نعلم بتوجيه المحكمة الجنائية الدولية تهمة ارتكاب جرائم حرب للرئيس السوداني واصدار مذكرة بتوقيفه.
لكن، ماهي مناسبة الحديث عن هذا الموضوع الآن؟
المناسبة ان فضيحة كبرى تتعلق بهذا الموضوع تم الكشف عنها في الايام القليلة الماضية.
الذي كشف تفاصيل وابعاد هذه الفضيحة منشقون عن حركة " العدل والمساواة" السودانية المتمردة في دارفور. هذه المجموعة المنشقة عن الحركة كشفت ببساطة ان كل قصة هذا الكتاب، وكل ما تضمنه من معلومات ووقائع وجرائم مزعومة كانت مفبركة بالكامل، وليس لها أي اساس من الصحة. أي ان كل قصة حليمة هذه وكل ماروته هي اكاذيب تم اعدادها بعناية كبيرة.
وفي التفاصيل، كشفت المجموعة عن حقائق مذهلة.
من هذه الحقائق أنّ امريكا ودولا اوروبية شاركت في اعداد هذه التمثيلية،. وايضا شاركت عدد من المنظمات الدولية ووفرت التمويل للعملية.
ومن هذه الحقائق ان مريم سليمان، المسئولة عن المراة بحركة العدل والمساواة، هي التي جسدت شخصية حليمة الوهمية، وانه تم اختيارها لاجادتها الإنجليزية ولأن الدوائر الغربية تثق فيها.
وكشف هؤلاء ايضا ان منظمة " تأهيل وانقاذ ضحايا دارفور" التي تراسها مريم سليمان كانت اداة اساسية للدوائر الغربية في حملتها على حكومة السودان، وان هذه المنظمة مولها مدعي المحكمة الجنائية الدولية اوكامبو، وانها تقوم بتوظيف نازحين ولاجئين لحساب المحكمة كي توظفهم في ادعاءاتها وتوظفهم لجلب شهود مزعومين على الجرائم في دارفور.
هذه هي وقائع الفضيحة باختصار. ولم يشكك احد في الوقائع التي كشفها المنشقون . والسبب ببساطة انهم هم انفسهم قبل انشقاقهم كانوا مشاركين في إعداد هذه التمثيلية.
لا بد ان نتوقف مطولا امام هذه الفضيحة. فالأمر لا يعني السودان وحده.
للحديث بقية باذن الله.