قاسم حسين
كاد يوم الجمعة يمضي كئيباً… من تتابع أخبار الحوادث والإصابات والمناوشات التي أعقبت منع المظاهرات، واستمرار إطلاق مسيل الدموع والغازات… حتى الساعة الحادية عشرة مساءً.
كان الجو خانقاً، والغازات الخانقة بدأت تتسرب إلى صالة المنزل وإلى غرفة الأطفال. في حدود العاشرة والنصف تم تسريب خبر عبر إحدى الفضائيات، عن اعتقال شخص أميركي في مطار البحرين، وبحوزته 11 مليون دولار، من فئة الـ 100 دولار!
كان الخبر قنبلةً، ولولا مسارعة قسم مكافحة الجرائم الاقتصادية إلى نفيه، لاحتل الخبر الصفحات الأولى للصحف المحلية أمس، ولقرأنا مانشيتات عن اكتشاف «خلايا إرهابية»، و «مؤامرة أميركية» وشبكات تهريب أموال ويورانيوم مخصب!
الخبر في صيغته الأولى تحدّث عن احتجاز سلطات الجمارك مواطناً أميركياً غير مقيم قادماً من إيطاليا وبحوزته 11 مليون دولار، ودسّ المراسل برشامةً تقول إن المبلغ موجّهٌ لدعم جمعية سياسية معارضة في البحرين! ولكن الداخلية أعلنت بعد نصف ساعة أنه خبرٌ غير دقيق، ونفت إدارة الجرائم الاقتصادية على موقع «تويتر» توقيف أي شخص على ذمة قضية مالية، وقدّمت رواية مختلفة تماماً، بأن رجلاً أميركياً تقدّم بكل أدب ووقار، إلى ضابط الجمارك بالمطار، وأفصح عن حوزته مبلغ 11 مليون دولار، وبعد الاستيضاح والتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية، اتضح أن المبلغ يخصّ قيادة البحرية الأميركية، وهو رواتب لمنتسبيها في البحرين والخليج، وتم تسليم المبلغ لقيادة البحرية.
الخبر أخذ يتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً الخط السريع (التويتر)، رغم أن السفارة الأميركية نفته نفياً قاطعاً، جملةً وتفصيلاً. ومع ذلك استمر المغرّدون يتداولونه حتى طلوع الصباح كما كانت تفعل شهرزاد! بل أن كاتبةً شهيرةً جداً على مستوى الفضائيات الانجلو *** ونية والصحافة الأمريكولاتينية كتبت تقول: «أعتقد أن موضوع 11 مليون دولار سيتفاعل في الإعلام الأمريكي ليثير ويفتح باب الأسئلة. إنها ضربة معلم إعلامية لقناة (…)»، وذكرت اسم القناة التي سجّلت هذا السبق الصحافي العظيم!
هذا الخبر تابعه مراسل إحدى المحطات الاخبارية الأميركية، ليسأل الملحق الثقافي بالسفارة، فنفى نفياً قاطعاً اعتقال أي شخص يحمل الجنسية الأميركية في مطار البحرين وبحوزته 11 مليون دولار، أشيع أنها مخصصة لتمويل المعارضة! وأضاف أن القصة كلها مختلقة بالكامل، ولا يوجد أي أميركي معتقل أو محتجز لدى السلطات البحرينية. وهو نفيٌ أكّده أيضاً مدير إدارة الإعلام الأمني بوزارة الداخلية.
المتيقن الآن أن المبلغ مرسلٌ إلى جنود المارينز في القاعدة الأميركية، ولكن لم يتضح بعد، هل هي رواتب الشهر الماضي (يونيو) وصلت متأخرةً نظراً إلى مرور الولايات المتحدة الأميركية بضائقةٍ ماليةٍ مثلاً هذا الشهر، أم أنها رواتب الشهر الجاري (يوليو) الذي مضى منه 13 يوماً، وتعمدت وزارة الخزانة الأميركية إلى إرسالها مبكراً، تحسباً لتأخر وصولها عن طريق الجو بإرسالها في حقيبة سفر مع أحد الأشخاص الأميركيين المسافرين ترانزيت!
القصة إذاً مختلقة من الأساس، ومُفبرِكُ القصة لم يحسن صياغتها لضعف شديد في مخيلته الإبداعية، فجاءت ضعيفة الحبكة، ركيكة الصياغة، فقيرةً فقراً مدقعاً من ناحية الخيال. والمؤكد أن الصحف الأميركية ستتفاعل مع الخبر وتنشره في صفحة «صدّق أو لا تصدق» لاختبار درجة ذكاء القراء!