الدوحة (قطر) – محرر الشئون المحلية
في ختام أعمال «منتدى التنمية الخليجي» في الدوحة
حسن رضي: الأزمة في البحرين تتطلب عقد مؤتمر عام للحوار الوطني
قال المحامي البحريني حسن رضي: «إن خروج البحرين من أزمتها الراهنة، يتطلب عقد مؤتمر عام للحوار الوطني والذي لا نرى له بديلاً فعالاً، ويلزم أن يكون أطراف الحوار هم أولئك الأفراد الممثلون حقيقة لفئات الشعب البحريني الفاعلة في الشأن العام، ولابد من أن يتاح لهؤلاء اللقاء المنظم والحديث وإبداء الرأي واقتراح الحلول بحرية في إطار الأسس المرسومة».
جاء ذلك في اليوم الثاني والأخير من أعمال اللقاء السنوي الـ 33 لمنتدى التنمية الخليجي، والتي تتناول «السياسات العامة والحاجة للإصلاح في دول مجلس التعاون»، واختتمت يوم أمس الجمعة (2 مارس/ آذار 2012) في العاصمة القطرية (الدوحة).
وفي ورقته بعنوان: «أحداث البحرين – الأزمة والمخرج»، اعتبر رضي أن الحالة الراهنة ما هي إلا حلقة متصلة بما سبقتها من حلقات تاريخ الصراع السياسي في البحرين في العصر الحديث، وهو تاريخ يشهد تكرار مثل المشهد الحالي بمعدل كل عشر سنوات تقريباً، حيث تتكثف فيه أشكال المواجهة السياسية، كما تتكثف فيه أشكال المواجهة الأمنية بشكل شبه يومي، على نحو تحدث معه، وتتعمق نتيجة له، الكثير من الشروخ والتصدعات في العلاقة بين الطرفين، وهو ما يؤدي، بحسب رضي، في نهاية المطاف، إلى ازدياد الصعوبات التي تعترض طريق التوصل إلى حلول جذرية سليمة لهذا الصراع.
وقال: «الحالة الراهنة تحكمها مجموعة من العناصر التي تتشابه إلى حد ما، مع بعض الاختلاف، مع تلك العناصر التي حكمت المراحل أو الحلقات السابقة من مسيرة العلاقة بين الطرفين. وتتمثل بالاستمرار في انتهاج طريق التعاطي الأمني في مواجهة مطالب الإصلاح، والعمل على تحييد، فئة أصيلة من فئات المجتمع في مواجهة مطالب التغيير والإصلاح وذلك من خلال تشطير المجتمع على أساس طائفي».
وأضاف: «كما أن هناك التفافا على مطالب الإصلاح، وذلك بانتهاج سياسات «تجميل» ملامح الحكومة في الخارج، ولا ترقى إلى مستوى المطالبات بالإصلاح الحقيقي بتاتاً».
ولخص رضي المشهد الراهن في البحرين، باستمرار توتر الوضع الأمني، وخصوصاً في المناطق القروية، حيث تنفجر احتجاجات بين حين وآخر، وتقابل باستخدام القوة المفرطة التي تؤدي إلى إغراق المنازل بغازات المسيل للدموع وغيرها أحيانا من وسائل العنف، وذلك في مقابل ردود فعل عنيفة أحيانا من جانب المحتجين، تقول سلطات الأمن انها بلغت إلى حد استعمال المولوتوف.
كما أشار إلى التجمعات المطلبية الجماهيرية الواسعة التي تنظمها الجمعيات السياسية المرخصة، وتسمح وزارة الداخلية ببعض هذه التجمعات، لكن يحدث منع لبعضها من قبل سلطات الأمن أحيانا، لافتاً في الوقت نفسه إلى ما وصفه بـ «انشطار طائفي» ينذر بخطر أكبر إن لم يعالج.
وتطرق أيضاً إلى تحركات من عناصر وسطية إصلاحية لتقريب وجهات النظر، إلا أنه اعتبرها ما زالت حتى الآن محدودة التأثير.
وقال رضي: «هناك تشدد من قبل الحكم ومحاولات لتمييع عملية المطالبة بالإصلاح في صورة منتديات مصالحة وطنية صورية وتعديلات دستورية غير ذات قيمة حقوقية وسياسية. كما أن توصيات بها ايجابية صادرة عن اللجنة البحرينية المستقلة بتقصي الحقائق لكنها لا تنفذ أو أنها متعثرة أو مبتورة التنفيذ».
وفي حديثه عن المخرج من الأزمة التي تمر بها البحرين، قال رضي: «الإجماع قائم بين السلطة والمعارضة والمراقبين المحايدين على أن الحوار والحوار فقط هو المخرج من الأزمة. ولكن مفهوم هذا الحوار مختلف فيه، وهو ما يتعين معالجته».
وأضاف: «لكي يقوم حوار جاد وحقيقي ومنتج فلابد من دراسة ووضع عناصر للحوار يتعين الاتفاق مبدئياً عليها. وأهم عناصر الحوار هي: هدف الحوار وأغراضه، وأطراف الحوار، وآلية الحوار وضوابطه».
وفيما يتعلق بهدف الحوار وأغراضه، أشار رضي إلى أن حقيقة الصراع وجوهره على مر الحقب التاريخية بين السلطة بالبحرين والشعب، هي أن المطالب الشعبية قائمة على أساس أمرين هما، المشاركة في صنع القرار السياسي، والمشاركة في إدارة الثروة الوطنية وضمان الرقابة عليها وتسييرها للصالح العام، أي تحقيق الديمقراطية.
وقال: «بناءً على هذا يتحدد هدف الحوار، وهو باختصار إقامة النظام الديمقراطي وإعادة هيكلة الدولة لتكوين دولة المؤسسات الحديثة القائمة على المبادئ الإنسانية المتطورة».
وأضاف: «من حيث شكل الدولة المطلوبة لم يعد لأحد الحق في الاجتهاد، فعلى رغم أن لكل شخص حقه في التفكير، فإن شعب البحرين بمن في ذلك العائلة الملكية، وعلى رأسها جلالة الملك قد قرر اختيار نظام الملكية الدستورية من دون جدال، وذلك بالموافقة على ميثاق العمل الوطني بعد إقراره بنسبة 98.4 في المئة، وذلك في استفتاء شعبي عام».
واعتبر أنه لتحقيق الغرض الأساسي في وجود الملكية الدستورية ذات النظام البرلماني، فلابد من الاتفاق على المواضيع الأساسية للحوار، والمبادئ والأسس التي يبنى عليها والتي يشكل الغرض الأساسي إطارها.
وقال رضي: «أرى في مبادرة سمو ولي العهد مع مبادئ وثيقة المنامة الصادرة عن الجمعيات السياسية المعارضة، مع شيء من التوضيح وعدم الخروج على الميثاق أسسا لها».
وأضاف: «يمكن الاتفاق مبدئياً على عدد من الأسس المتمثلة في تثبيت نظام الملكية الدستورية والتمسك بالعائلة الملكية الحالية ممثلة في جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأن تكون وراثية لأبنائه بالتدرج المباشر، تصان لها رفعتها وسموها وتضمن لها مخصصات رسمية غير قابلة للمنازعة، ويمكن أن تخصص بنص دستوري»
وتابع: «كما يجب تشكيل مجلس وطني من غرفتين، غرفة ينتخب أعضاؤها انتخاباً حراً ومباشراً يكون له مطلق سلطة التشريع والمراقبة وتكون له الكلمة الفاصلة في إصدار التشريع، وغرفة أخرى يعين أعضاؤها بما لا يجاوز نصف عدد أعضاء الغرفة المنتخبة، تكون مهمتها مراجعة مسودات ومشاريع القوانين التي ترفع لها من الغرفة المنتخبة وتبدي رأيها وتعديلاتها المقترحة عليها وترجعها إلى الغرفة المنتخبة، فإن قبلت (أي المنتخبة) بتعديلات الغرفة المعينة أقرتها، وإن رفضت التعديلات أقرت صدور القانون كما ترى الغرفة المنتخبة».
وأكد رضي ضرورة أن يشتمل الدستور على ضمان أن تكون الحكومة تمثل الإرادة الشعبية، بأن تشكلها الأغلبية البرلمانية أو على الأقل يقر تشكيلها البرلمان في غرفته المنتخبة كما يملك حق حلها أو سحب الثقة من أعضائها بمن فيهم رئيس الوزراء، إضافة إلى إعادة ترتيب الدوائر الانتخابية لضمان تساوي أصوات المواطنين (صوت لكل مواطن)، والتأكيد على نسبية التصويت الشعبي بالنسبة لكل نائب في الغرفة المنتخبة.
ودعا أيضاً إلى أن يراعى في تشكيل الغرفة المعينة ضوابط الخبرة وتميز السمعة الشخصية والتاريخ الوطني، ووضع مرئيات عامة وخطط أساسية معقولة للقضاء على الطائفية بدءا بالمؤسسات العسكرية والرسمية، وذلك من خلال جدول زمني وأساليب تدريجية لضمان التنفيذ السليم، وكذلك وضع القوانين والتشريعات التي تعاقب سلوك التمييز الطائفي وأفعاله.
كما أكد رضي وفي إطار الأسس ذاتها، إلى مراجعة التجنيس وآثاره بشكل علمي وإنساني يحمي التركيبة السكانية البحرينية، ولا ينال من حق من اكتسب الجنسية وهو مستحق لها وبما لا يضر حتى من اكتسبها بدون حق، وذلك من خلال إنصاف هذه الفئة بتعويضها ومراعاة مدى إمكانية استرجاع جنسياتها الأصلية لمن فقدها.
وشدد رضي على ضرورة إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين فوراً ودونما تأخير وفي مقدمتهم القيادات السياسية المعارضة الذين حكم عليهم من قبل محاكم السلامة الوطنية، والامتناع فورا عن أية إساءة شخصية قولا وفعلا لأي من الرموز والشخصيات الرسمية والشعبية.
أما بشأن أطراف الحوار، فقال رضي: «لكي ينتج الحوار لابد من أن تشارك فيه الأطراف الفاعلة، حتى يمكن للحلول التي يتم التوصل إليها من قبل المتحاورين أن تجد طريق التطبيق لها بقواعد حمايتها، والقول بغير ذلك لغو لا فائدة منه».
وأضاف: «ان مقاييس استحقاق صفة الطرف في الحوار ونسبة تمثيله إنما يجب أن تقوم على أساس قاعدة ذلك الطرف الشعبي من حيث قوته على الساحة وتأثيره في الأحداث اليومية، من دون إغفال بالطبع للموروث التاريخي في هذا الشأن، وخصوصا من حيث ما تتميز به العائلة الملكية من موقع متميز والتي يمثلها جلالة الملك، لكن بالقدر الذي يضمن التوجيه لدفة الأمور وليس لفرض حلول غير منطقية لا توصل إلى الحلول المنشودة القابلة للحياة والتطبيق».
وواصل: «ينبغي كذلك أن تكون نسبة التمثيل في أي منظومة للحوار متناسبة في افرادها مع عرض وقوة القواعد الشعبية واتجاهاتها، فليس من المعقول أن تكون منظومة الحوار على النمط الذي تم به تشكيل (مؤتمر الحوار الوطني) السابق، فسيكون ذلك هدرا للجهد والوقت والمال دون جدوى وقد اثبت ذلك الواقع».
واعتبر رضي أن انتخاب هيئة الحوار هو الطريق الأمثل والأسلم والأعدل قانونيا وحقوقيا، مشيراً إلى أنه في حال تعذر ذلك فمن المناسب الرجوع إلى انتخابات العام 2006 لتحديد نسب المشاركة بالنسبة للجمعيات والشخصيات السياسية، واستخدامها كقياس لتحديد نسب التمثيل دون تقيد بمن فاز بعضوية مجلس النواب دون غيره، وإنما القصد هو الاعتداد بنتائج التصويت في مجمل العملية الانتخابية.
وأشار أيضاً إلى أنه يمكن تطعيم هذه الهيئة أو المنظومة بشخصيات وطنية لها احترامها أو خبرتها أو تميزها الاجتماعي يعينهم جلالة الملك بحكمة وبالتشاور مع القوى السياسية الفاعلة، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة إشراك المعارضة التي لم تشارك في الانتخابات، والتي لها دورها الملحوظ في الشارع كـ «حركة حق» و «تيار الوفاء»، وكذلك التيارات المستجدة المتمثلة في «تجمع الوحدة الوطنية» و «اللقاء الوطني».
أما بشأن آلية الحوار المقترح وضوابطه، فقال رضي: «إذا تم الاتفاق على أطراف الحوار، فيمكن حينها وضع التصور لآلية ذلك الحوار وضوابطه. ويلزم أن يكون أطراف الحوار هم أولئك الأفراد الممثلون حقيقة لفئات الشعب البحريني الفاعلة في الشأن العام، ولابد من أن يتاح لهؤلاء اللقاء المنظم والحديث وإبداء الرأي واقتراح الحلول بحرية في إطار الأسس المرسومة، ونخلص بذلك إلى الآلية اللازمة هي مؤتمر عام للحوار الوطني والذي لا نرى له بديلاً فعالاً».
وأضاف: «لكي يكون هذا اللقاء فعالاً، فلا بد من أن يكون جلالة الملك ممثلا فيه باعتبار جلالته طرفا أساسيا في التعاقد الدستوري إذ ان الملكية الدستورية هي عقد بين الشعب والملك كما هو متفق عليه في فقه القانون الدستوري».
كما دعا إلى انتخاب العدد المناسب من ممثلي الجمعيات السياسية المرخصة، عن طريق الانتخاب المباشر، وأن يجري لذلك تشكيل دوائر انتخابية خاصة يضمن فيها صحة تساوي أصوات الناخبين.
وأكد رضي ضرورة أن يتزامن مع هذا المؤتمر إعلام توحيدي وترويج لمبادئ الوحدة الوطنية ونبذ للتفرقة الطائفية وازدراء رسمي وشعبي لممارسيها، ووقف الشعارات المسيئة لأي طرف من الأطراف، وفتح الباب للتوظيف في القوات المسلحة وقوات الأمن وغيرها من المرافق العامة والوزارات للمواطنين بمختلف فئاتهم.
كما أشار إلى انه لضمان حسن سير المناقشة وسلامة التصويت، فإن الخبرة الدولية في هذا الشأن ضرورية تأسياً بمؤتمرات المصالحة السابقة، كالحوار اللبناني في مؤتمر الطائف ومؤتمر المصالحة الايرلندية، ومؤتمر المصالحة والإنصاف في المغرب، معقباً: «ليست هذه دعوة للتدخل الأجنبي، فالقصد من وجود هيئة دولية هو فقط للمساعدة والاستشارة المعينة على انجاز المهمة. وان وجود هيئة للمراقبة الحقوقية كالمفوضية الدولية السامية لحقوق الإنسان ضرورية».
وختم رضي ورقته بالقول:«لكي ينتج لقاء كهذا، فإنه يتعين أن يسبقه الإفراج عن كل المعتقلين والمسجونين، بمن فيهم رموز المعارضة الصادرة بحقهم أحكام من محاكم السلامة الوطنية، لأسباب سياسية أو في تهم متعلقة بأفعال تتعلق بالرأي، أو مرتبطة بالأحداث التي أعقبت 14 فبراير/ شباط 2011، وإرجاع جميع المفصولين من أعمالهم للأسباب ذاتها، والبدء في تحسين أوضاع مناطق أصبحت منكوبة في قرى البحرين وبعض أحياء مدنها، والتنفيذ لتوصيات لجنة تقصي الحقائق تنفيذا جادا وسليما»
الوسط – العدد 3465 – السبت 03 مارس 2012م الموافق 10 ربيع الثاني 1433هـ