نحتفل هذه الأيام بالذكرى الـ 38 لحرب أكتوبر المجيدة ، ويأتى الاحتفال هذا العام بطعم ومذاق سياسى مختلف ، حيث يأتى بدون (حسنى مبارك) وطلته الماكرة ، كأحد أبرز (سُراق الفرح) ، فرح الانتصار ونسبته إلى نفسه فقط ، مسقطاً آلاف الشهداء والضحايا والجرحى ، والأبطال الكبار من ذاكرة التاريخ عمداً ، أليس هو القائل أنه صاحب الضربة الجوية وأن الحرب بدونها لم تكن لتنجح ؟! ، ويأتى فى أجواء روح جديدة أطلقتها علينا ثورة 25 يناير ؛ والتى تتقاسم مع حرب أكتوبر معانى وقيم مشتركة لعل أبرزها قيم (الكرامة) و(العزة) و(التحرر) و(العدل) ، تلك القيم التى تعمد رجال الاستبداد والاحتلال إفقادها لمصر طيلة الأربعين عاماً الأخيرة ، لقد كانت (حرب أكتوبر 1973) و(ثورة يناير 2011) هما الروح التى عادت إلى جسد مصر حاملة معها هذه القيم ، التى نرجو لها الاستقرار والثبات .
بهذه المناسبة دعونا نتذكر ، ونذكر الأجيال الجديدة من شباب الثورة بأبرز النتائج الإيجابية التى أفرزتها حرب أكتوبر المجيدة ، حتى نحافظ عليها وندخرها للحظة مواجهة محتملة مع العدو الصهيونى .
إن الدراسات الاستراتيجية العالمية أكدت أن أبرز نتائج حرب أكتوبر على المستوى الداخلى تمثلت فى عمق التخطيط العلمى والعملى للحرب مع العدو الصهيونى وأنه كان على مستوى ممتاز ودقيق ، فقد استطاعت القوات المصرية فى الأيام الأولى للمعركة أن تحقق هدفاً استراتيجياً لا يختلف عليه أحد وهو كسر النظرية الأمنية الإسرائيلية كما حقق الجيش المصرى إلى جانب الانتصار الاستراتيجى انتصاراً آخر على مستوى العمل العسكرى المباشر متمثلاً فى عملية العبور التى اكتسحت مانعاً مائياً ضخماً (خط بارليف) فى ساعات ثم دخلت لعدة أيام فى معارك بالمدرعات والطيران وأمنت لنفسها عدة رؤوس كبارى داخل سيناء وألحقت بالعدو خسائر وصلت إلى ربع طائراته وثلث دباباته تقريباً فى ظرف أسبوع واحد من القتال، وداخلياً أيضاً على مستوى الجندى المصرى فجرت الحرب والظروف التى نشبت فيها طاقة إنسانية لم يكن أحد يحسب لها حساب أو يخطر بباله أنها موجودة على هذه الدرجة من الاقتدار والبطولة ، عند الجندى والضابط المصرى ، وزادت الحرب من تماسك الجبهة الداخلية ورفضها للتدخل الأجنبى والمساهمة فى دفع عملية الاقتصاد خطوات للأمام وإحساس الناس بالوحدة والتضامن بعد طول صبر على الاحتلال ومجىء النصر ، أما على المستوى العربى فقد أعاد نصر أكتوبر للشارع العربى والمصرى ثقته فى ذاته بعد أن كانت تجتاحه حالة من الإحباط الشديد إثر هزيمة 1967 والتى رافقها العديد من المظاهر الاجتماعية السلبية فى الوطن العربى ، ومن النتائج أيضاً أن المواقف العربية خلال الحرب أظهرت وعداً بعصر عربى جديد تتحد فيه كلمتهم ضد العدو الصهيونى وفى الحرب استخدمت كل أسلحة الحرب من اقتصادية (النفط) إلى السياسية والثقافية (الأدب والموسيقى والشعر .. إلخ) ، أما على المستوى الإسرائيلى فقد انكسرت نظرية الأمن الإسرائيلى على المستوى الاستراتيجى والتى تقوم على عدة مرتكزات أبرزها التفوق الكيفى أمام الكم العربى ، ولقد أحدث انكسار هذه النظرية صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل فى التاريخ القصير لدولة إسرائيل وقد أدى ذلك بدورة إلى تفكك تركيبة القيادة السياسية والعسكرية فى إسرائيل ، وتمزق العلاقات فيما بينها وبدأت مرحلة تبادل الاتهامات وتصفية الحسابات .
وعلى مستوى الرأى العام الإسرائيلى أدى انكسار النظرية الإسرائيلية إلى سقوط أساطير إسرائيلية كثيرة على رأسها الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر والذى كان أمل إسرائيل وموضع اعتزازها الأول وأيضاً سقطت صورة المخابرات الإسرائيلية التى كانت غائبة عن مسرح الأحداث بالمعلومات والكشف والتحليل كما سقطت شخصيات إسرائيلية كانت مثل أصنام لدى الرأى العام الإسرائيلى ومنها جولدا مائير وموشى ديان .
ولقد أدت الحرب إلى جعل إسرائيل مرغمة على الاستمرار فى عملية التعبئة العامة لدعم خطوطها العسكرية وكان ذلك يعنى أن عجلة الانتاج الإسرائيلى فى الزراعة والصناعة والخدمات توقفت أو أصبحت على وشك التوقف ، لقد كانت لحرب أكتوبر نتائج عديدة ، مصرياً وعربياً ودولياً ، أغلبها كان إيجابياً ، تماماً مثل ثورة يناير 2011 ، إلا أن السلبى فى كل هذه النتائج هو محاولة البعض مصرياً وعربياً ودولياً سرقة الانتصارين (انتصار أكتوبر ) و(انتصار يناير) ومن هؤلاء اللصوص ينبغى أن نحذر ، وعنهم ، قد نتحدث مستقبلاً !!