عبدالنبي العكري
تمر بلادنا بمرحلة حرجة تتطلب الحكمة والمسئولية وبعد النظر للخروج منها ومعالجة تبعات الأزمة التي عصفت ببلادنا طوال أكثر من شهر. وإذا كان الاعداء المتحاربون يتوصلون إلى هدنة ثم التفاوض ثم الصلح، فإن أبناء البلد الواحد واخوة المصير أكثر قدرة، لتجاوز خلافاتهم أو حلها من خلال الحوار الاخوي والتوصل إلى حل توافقي.
لكن المؤسف بأنه بدلا من الدعوة للتآلف فإن هناك من ينفخ نار الفتنة، وتعزيز روح الانتقام وتصوير المختلفين معهم بأنهم خونة وعملاء ومتآمرون.
لا يمكن الانكار انه قد حدثت اصطفافات سياسية وطائفية ولا يمكن الانكار في ان الهوة كانت عميقة ما بين مكونات اساسية في المجتمع اتخذت للأسف استقطابا طائفيا. كما لا يمكن إنكار أن المواقف ما بين المعارضة من ناحية والسلطة من ناحية أخرى كانت متباعدة، لكن ذلك لا يعني أن المعارضة المشروعة والسلطة لم يكونا قادرين على ردم الهوة لو أنهما انخرطا في مفاوضات جدية لذلك فإن إلحاح شخصيات سياسية وإعلامية ودينية، على أنه لا سبيل إلى الحوار، وأن الوقت هو وقت تصفية الحساب مع الذين شاركوا في الاحتجاجات، وهذا يدفع للأمور نحو الهاوية. يجب أن يدرك هؤلاء أنهم بهذا التأجيج الطائفي، والتحريض السياسي وخطاب الكراهية، لا يفيدون النظام السياسي، ولا يساهمون في إعادة الثقة إلى شعبهم ووطنهم، وإعادة اللحمة التي تربطنا معاً.
لقد قدر للبحرين أن تكون بلد التعددية الدينية والمذهبية والإثنية وظلت البحرين جزيرة على مفترق طرق، يأوي اليها الناس من مختلف المناطق المجاورة والبعيدة ويستقرون فيها ويتعايشون في انسجام وامان. ولقد أثبت المواطنون من خلال استفتاء الأمم المتحدة العام 1970 على تمسكهم بخيار الاستقلال في دولة بحكم سياسي وراثي ديمقراطي في عائلة آل خليفة، حسب ما حدده دستور 1973. كما أكد شعب البحرين والحكم خياره الواضح في الإصلاح حيث صوت 98.4 في المئة من الشعب على ميثاق العمل الوطني. وإذا كان من درس للاحداث العاصفة التي عصفت بالبلاد طوال أكثر من شهر، وهو ما استنتجه بصحة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، هو أن هناك حاجة لإعادة الروح للميثاق بآفاق أرحب وإدخال إصلاحات ومعالجة اختلالات عميقة في الجوانب السياسية والاقتصادية وفي بنية الدولة، من خلال حوار لا يحده سقف.
إذاً وبغض النظر عما جرى من أحداث دامية وشرخ عميق أصاب المجتمع وأصاب العلاقة ما بين الدولة ومواطنيها، فإن المسئولية الوطنية تتطلب تضميد الجراح. والحد من المزيد من الخسائر البشرية والمادية، ومواساة من فقدوا أحباءهم ومن تضرروا أو أضحوا ضحايا بمن فيهم الجرحى والمعتقلون والمفقودون وعائلاتهم، ان قدرنا هو أن نعيش معا كما كنا لقرون عدة، وأن نتصالح بعد الخصام، وأن نتوصل إلى التسويات التي هي لصالحنا جميعا، وليست على حساب طرف دون آخر. وبالتأكيد ليس من مصلحتنا أن يشعر نصف أبناء الوطن أنهم انتصروا على النصف الآخر.
إن التحريض ضد قيادات سياسية ودينية ومجتمعية واتهامهم بالخيانة وعدم الولاء وغيرها من الاتهامات واتخاذ اجراءات عقابية ضدهم ومحاربتهم في ارزاقهم وتعليمهم وسكنهم، وإذلالهم، سيحفر جروحا عميقة وغائرة في نفوسهم جيلا بعد جيل. إنها وصفة لخراب النفوس قبل خراب البلاد.
هذا البلد له خصوصية وهي التعايش بين مختلف مكوناته والاعتدال وهو ما يميزه على امتداد التاريخ. فدعونا ألا ندمر هذه الخصوصية الجميلة التي نفتخر بها جميعاً.
أقول لمن يمارس التحريض والتشفي، رفقاً بهذا الشعب المكلوم ورفقا بهذا البلد الجريح فلنعمل جميعا على تضميد الجراح وليس نكئها.
حفظ الله البحرين وشعبها