قاسم حسين
من يتابع الصحافة المحلية هذه الأيام سيكتشف وجود حالةٍ من الرعب الشديد.
ومن يقرأ عيّنةً سريعةً من الكتابات المنتشرة هذه الأيام، ولو من باب الفرجة والتسلية، سيكتشف أن حالة الرعب هذه نتجت عن «تسريبات» عن صفقات سياسية مقبلة. ويبدو أن هناك جهةً ما، سرّبت بعض «التناتيش» المفترضة عبر أحد المواقع الإلكترونية، عن وجود صفقة ما، لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف معينة. من بين هذه الأهداف استفزاز هذه المجموعة من الكتبة الذين تهيّجهم كلمة «حوار»، وتخرجهم من طورهم كلمة «تعايش»، وتصيبهم حالة من الجنون والهستيريا عند سماع مفردتي «مصالحة وطنية»!
حتى الآن -كما يبدو لي- لا توجد دلائل صلبة (solid) أو حيثيات على وجود مثل هذه «الصفقة»، أو سيرورتها الميتافيزيقية، اللهم سوى التسريبات عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وهي على قلتها استطاعت أن تصيب تلك المجموعة بحالةٍ من تدهور النفسيات، وهبوطٍ حادٍ في المعنويات. فهؤلاء الذين لم يجدوا شيئاً طوال ثلاث سنوات، غير التحريض وبث الكراهية وتأجيج الأحقاد والدعوة علانيةً لاستمرار الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، مع الضرب بالحائط كل التقارير الدولية والتوصيات الأممية الخاصة بمعالجة هذا الملف الإنساني بطريقةٍ تحفظ للبحرين سمعتها واحترامها بين الدول.
السائح الخليجي سيكتشف بسهولة حالة الرعب في صورة كتابات متشنجة، تفتقر إلى أبسط مقومات الكتابة الصحافية، مهنياً وموضوعياً. وأغلبها يدخل في خانة الكتابات العنصرية، التي ابتليت بها الشعوب الأخرى التي مرت بمراحل نزاعات سياسية مريرة. ففي جنوب إفريقيا، كانت مثل هذه الكتابات تسيطر على الصحف هناك، وكان لدعاة التمييز العنصري أقطابٌ يجاهرون بكل وقاحة بأفكارهم العنصرية، وتأييدهم لسياسات «الابارتهايد».
ولم يكونوا يخفون مطالبتهم بإغلاق الصحف الوطنية المستقلة ذات التوجهات الإنسانية الجامعة، والتحريض على فصل زملائهم الصحافيين من أعمالهم وحتى اعتقالهم، بمن فيهم البيض من ذوي النزعة الإنسانية.
وكان قاموسهم مليئاً بكلمات «الخونة»، و«الشيوعيين» و«أصحاب الأجندات الخارجية»، ويصفونهم أحياناً بـ «العملاء» لقوى إقليمية مثل أنغولا وموزمبيق وتنزانيا، وأحياناً إلى دول في أميركا اللاتينية بعيدة جداً بآلاف الكيلومترات مثل كوبا، وأحياناً إلى قوى عظمى مثل الاتحاد السوفياتي… المهم أن يكونوا عملاء وفقط!
هذه العقلية الانعزالية والنزعة الاستبدادية التي تتلذّذ بالإقصاء وتطمح إلى سحق الآخر وإنهائه من الوجود، أصيبت بصدمةٍ كبرى مع بداية تسرّب أخبار عن وجود مفاوضات مع نيلسون مانديلا. وحين زاره أحد الوزراء في 1985 أثناء خضوعه لعملية جراحية بمستشفى «فولكس» في مدينة الكاب، أصيب بعض «البويرز» بالشيزوفرينيا.
وأصيب بعضهم بالانهيار العصبي الديالكتيكي حين نُقل مانديلا من سجنه في جزيرة روبين إلى منزل معزول في استراحة «فيكتور فيرستر» نهاية 1988 لإجراء المفاوضات.
وظلّت هذه المجموعة العنصرية التي تعتاش على رائحة الدم والدموع، تندب حظّها كالمرأة الثكلى، كلّما تسرّب خبرٌ جديدٌ عن تحقيق تقدّم في المفاوضات مع ديكليرك، أو إطلاق سراح عددٍ من السجناء السياسيين.
وأصيب بعضهم بجلطات قلبية، وبعضهم بسكتات دماغية على مدار السنوات الثلاث التي استغرقتها المفاوضات، التي نقلت جنوب إفريقيا من دولةٍ عنصريةٍ يدينها العالم، إلى نظام ديمقراطي تحترمه كل دول وشعوب العالم.