قاسم حسين
قبل أكثر من عام كتبت مقالاً أطالب فيه الوزارات المعنية بالاهتمام بمسجد الخميس التاريخي، على إثر حفريات عميقة على بعد خمسة أمتار من سوره، خشية أن تؤثر تلك العمليات على جدرانه ومئذنتيه.
اليوم أكتب، لليوم الثاني على التوالي، عن هذا المسجد التاريخي الأقدم في البحرين، فقد بدا واضحاً تشقّق إحدى مئذنتيه، بحيث يمكن للسائق أن يراها بوضوح وهو عابرٌ بسيارته على الشارع العام.
المسجد الذي يمتد عمره لأكثر من ثمانية قرون، كان يُعرف بـ «المشهد ذي المنارتين»، حتى السنوات الأولى من القرن العشرين، وكان يومها تُقام فيه الصلوات، خصوصاً لمرتادي السوق القريبة منه (تقع حالياً داخل أسوار مدرسة الخميس الابتدائية). ومع العشرينيات بدأ إهماله، ولم نصل الخمسينيات حتى أصبح مهجوراً وزالت عنه فجأةً صفة «المسجدية» وتحوّل إلى «تراث»!
هذا التراث ترفض وزارة الثقافة، ودائرة التراث الوطني منها تحديداً، الاهتمام بصيانته وتخصيص بعض الموارد المالية لذلك، بينما تُخصّص موارد مالية كبيرة لصيانة بيوت تجار أو نواخذة غوص، في مناطق أخرى من البلاد.
على الطرف الآخر من الشارع، تقع مدرسة الخميس (المباركية العلوية سابقاً)، وهي ثاني أقدم مدرسة نظامية في البحرين بعد مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق. المدرسة زرتها قبل أربعة أعوام وشعرت بما كان يشعر به الشعراء القدامى حين يمرون على أطلال منازلهم الأولى، ووجدت نفسي حزيناً عاجزاً عن كتابة سطر عنها.
الثلثاء الماضي نشرت «الوسط» تحقيقاً عمّا آلت إليه أوضاعها، فالصورة الأولى تظهر المبنى الرئيسي لمدرستنا الأولى، وفي الصورة الأخيرة يظهر باب غرفة الإدارة، وعلى كل جانب صفان، تعلمت في أحدها حروف اللغة العربية والأرقام، وكان أمامها حديقة وبركة ماء. اليوم تراها خاوية على عروشها، وتطالب وزارة الثقافة بتحمل مسئوليتها في حفظ هذا الجزء من التراث الوطني، للإبقاء عليها كنموذج للمدارس النظامية الأولى. ابقوا عليها كمتحف، فهذه المدرسة تخرّج من تحت أكنافها آلاف الطلبة من المنطقة الوسطى والساحل الشمالي للجزيرة انتهاءً بقرية البديع.
نحن هنا في حضرة مثلث سحري، ضلعاه الأولان مسجد ومدرسة الخميس، بينما يمثل ضلعه الثالث معلماً طبيعياً بالغ الجمال، وهو عين أبوزيدان. وبالنسبة لجيلي أدركنا سنواتها الأخيرة، حيث كان ينطلق منها زفاف العرسان بعد اغتسالهم فيها عصراً، ليُعاد زفافهم إلى عرائسهم في المساء. والعين يقوم فوقها مسجد للصلاة، وهي واقعةٌ على طرف غابة كثيفة من النخيل، هرمت وتقصفت أكثرها الآن، حتى باتت تمثل عنواناً آخر للبؤس والإهمال.
عين أبوزيدان عينٌ تاريخيةٌ تكلّم عنها كل الرحالة الأجانب الذين زاروا الجزيرة، والمحزن أنها احتفظت برونقها طوال قرون، ولكنها انحدرت وتدهورت أحوالها بعد الاستقلال، حتى أصبحت في السنوات الأخيرة مصرفاً تنحدر إليه مياه المجاري من مركز الشرطة المجاور.
هذه المنطقة (البلاد القديم) غنيةٌ بالتراث والمعالم الأثرية، فقد كانت عاصمةً للبحرين لقرون، وكانت مرفأً بحرياً من الجهة الجنوبية للسفن والتجارة مع دول الجوار. ومن الطبيعي أن تغص بالآثار التي تستوجب المسئولية الوطنية أن نضعها على رأس أولويات مشاريع الصيانة والترميم.
إنها التنمية الثقافية المختلة وغير المتوازنة. إنه التقصير الواضح في حفظ التراث الوطني. إنه الإهمال والتفريط في حماية المواقع الأثرية… ومن المؤسف أن يتم كل ذلك التفريط في أيامنا. لقد أنشأنا وزارة للثقافة، واهتممنا برقصات الفلامنجو… وفرّطنا في حفظ الكنوز.