قاسم حسين
كشفت الجمعية البحرينية لحقوق الانسان أنها خاطبت عدداً من الجهات الرسمية، للسماح للطلبة الموقوفين بأداء امتحاناتهم النهائية في المراحل الدراسية المختلفة، إلا أنها لم تلقَ استجابة من الجهات المعنية.
الأرقام المتداولة اليوم عن ألفي سجين ومعتقل سياسي، الجزء الأكبر منهم من الشباب، وكثير منهم طلبة جامعات ومعاهد ومدارس ثانوية وإعدادية. وخلال الشهرين الأخيرين صدرت أحكامٌ بالسجن على مئتي شخص متهمين في قضايا أمنية، وتراوحت الأحكام بين سنتين وخمسة عشر عاماً.
من الستينيات حتى الثمانينيات، كان السجناء من نخبة الحركات القومية واليسارية والاسلامية، يُعدّون بالعشرات، في عمليات أمنية جراحية، أما في التسعينيات، فتصاعدت أعداد السجناء إلى خانة المئات، نظراً لطبيعة الحراك الشعبي الواسع. أما بعد حراك فبراير 2011، ومع نزول عشرات الآلاف إلى الشوارع وما تلاها من أحداث، فكانت أعداد الضحايا بالآلاف، سواءً المفصولين من العمل أو المعتقلين والسجناء.
هؤلاء المواطنون، سيقضون سنوات طويلة في السجن، ومن حقّهم على الدولة أن توفّر لهم ظروفاً إنسانية في السجون. وفي مقدمة هذه الحقوق المدنية السماح لمن يرغب منهم في مواصلة الدراسة، كما يجري في بقية دول العالم المحتضر التي تحترم حقوق الإنسان. فالتعليم الأساسي حقّ دستوري، تتكفل الدولة بتوفيره لمواطنيها، ومن واجبها تسهيل ذلك على السجناء. وهي إحدى المبادئ التي تقوم عليها فكرة تحويل السجن إلى مؤسسات تأهيلية وإصلاح حقيقي.
الجمعية البحرينية خاطبت وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي، ووزير التربية والتعليم ماجد النعيمي، والنائب العام علي فضل البوعينين، والمفتش العام إبراهيم الغيث، لتمكين الطلبة الموقوفين والمحكومين من أداء امتحاناتهم النهائية للفصل الدراسي الجاري، بناء على الشكاوى التي تلتقها الجمعية من أهالي المعتقلين، إلا أنها لم تحصل على رد. وهي مسئوليةٌ يجب تتحملها الجهات المذكورة، تجاه مصير مئات الطلبة من أبناء الوطن… ليس في هذا الفصل الدراسي فحسب، بل للسنوات المقبلة.
قبل خمسة أسابيع، حضرت معرضاً لمقتنيات السجناء والموقوفين وما ينتجونه من أعمال فنية ولوحات وأشعار، واستوقفتني مجموعة من المخطوطات للمصوّر محمود عبدالصاحب، المحكوم ثلاث سنوات، وتبيّن أنه كتب أكثر من 12 مخطوطاً كلها مشاريع كتب، تتوزع على مجالات الفكر والتاريخ والفلسفة والخواطر الشعرية. وكان السجين الذي يطمح لكتابة رسالة الماجستير، يشكو من قلة المصادر، وعدم السماح بإدخال أكثر من كتابين في كل مقابلة. وشدّني أن أكتشف أن جواهر لال نهرو كان يشكو من المشكلة نفسها (قلة الكتب) يوم كان سجيناً في الثلاثينيات، أيام الاستعمار البريطاني، الذي كان يحتل البحرين أيضاً. فلماذا تستمر قوانين الاستعمار البريطاني القديمة في سجوننا حتى اليوم؟
حياة السجين أو المعتقل لا تنتهي ولا تتوقف وراء القضبان، ويجب أن يضع له برنامجاً يومياً متنوعاً، للحفاظ على صحته الجسدية والنفسية، وفي مقدمة ذلك القراءة والاطلاع وتعلم ما يتاح له من مجالات ولغات، لئلا يخرج من السجن أمياً جاهلاً بما يدور حوله من تقدّم وتطورات.
إن من واجب الجهات الرسمية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، مراجعة هذا الأمر، ووضع الآليات الكفيلة بتسهيل حياة ودراسة هذا العدد الكبير من السجناء، وعدم قطع شريان الثقافة ولا الدراسة والتعليم عنهم، التزاماً بفلسفة التأهيل، والنأي تماماً عن فكرة الانتقام أو الإذلال والتجهيل.