بعد أن توقفت المجزرة الصهيونية على شعب غزة، ومن تحت الدمار والتخريب والقتل المتعمد وانتهاك جميع المحرمات الدولية واستخدام أقسى الأسلحة المحرمة دولياً، وبعد أن سجل أهل غزة والمقاومة الفلسطينية الباسلة فيها صموداً أسطورياً ضد آلة الدمار والبطش الصهيونية، يحاول النظام العربي الرسمي جاهداً طي هذه الصفحة، من خلال إعادة الترويج للمبادرة العربية للسلام، متناغماً في ذلك مع قوى الهيمنة العالمية من الإدارة الأميركية والاتحاد الأوربي لمساندة الجلاد على حساب الضحية، بل ومارست معظم الحكومات العربية مناورات سياسية وإعلامية ونفسية من أجل احتواء أو توجيه أو قمع تحركات الشارع العربي الغاضب على الحكومات المتواطئة أو العاجزة.
وهذا يقودنا إلى التذكير ببعض المسلمات التي يحاول البعض مسحها من ذاكرة الناس والشعب العربي عموماً. فبداية فإن جذور الصراع العربي الإسرائيلي قد بدأت منذ انطلاق الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد نجحت هذه الحركة من خلال وعد بلفور والوكالات الصهيونية في تنفيذ أبشع جريمة بإبعاد معظم الشعب الفلسطيني من أرضه وأنكرت عليه حقوقه الأساسية وخصوصاً حق العودة إلى أرضه وتقرير مصيره.
وبالتالي فإن جوهر الصراع هو طبيعة الاستعمار الاستيطاني. وقد نجحت الصهيونية في قلب المعادلة السكانية لصالحها ولكنها لم تتمكن من حسمها نهائياً. ويرى المسيري أن مصير إسرائيل سيكون مثل ''كل الممالك الوظيفية والمستعمرات الاستيطانية وأن نجاحها واستمرارها يعتمد على إبادة السكان الأصليين كما حدث في أميركا وأستراليا''، ونتيجة للفشل في حسم التركيبة السكانية ومخاوف الكيان الصهيوني من انقلاب المعادلة لصالح العرب الفلسطينيين، فقد تم التركيز بقوة في السنوات الماضية على الطابع اليهودي للكيان، في محاولة لإلغاء حق العودة، بل والتخطيط لعمليات تهجير جديدة وفقاً لمقولات يهودية الدولة، وتنسجم في سياقها محاولات الإدارة الأميركية عبر مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى تفتيت الدول العربية على أسس طائفية وعرقية حتى يصبح وجود الكيان الصهيوني منسجماً مع دويلات الطوائف في المنطقة. المخطط الصهيوني الذي وضع في أوائل هذا القرن لم تقتصر حدوده على أرض فلسطين فحسب، بل تعداها إلى أجزاء أخرى إضافية من أراضي الوطن العربي.
وبالتالي فإن الطبيعة الاستيطانية لهذا الكيان تظهر بشكل جلي أن هذا الكيان لا يريد تسوية سياسية لهذا الصراع وأن كل المفاوضات التي جرت هي محاولات إملاء لمسلسل من التراجعات بعيداً عن القرارات الدولية الصادرة في شأن القضية أصلاً.
وحين تفشل سياسات وخطط التحالف الإمبريالي – الصهيوني، في استلاب إرادة الشعب العربي، أو توفير الأمان للصهاينة في فلسطين المحتلة، ففي هذا الدلالة القاطعة على أن الصهيونية لم تنتصر، ولم تحسم الصراع، رغم كل التكالب على روح المقاومة والممانعة. فضلاً عن محاولات تشويه الوعي العربي وإشاعة اليأس في النفوس التي يمارسها القلقون على مستقبل المشروع الصهيوني.
ورغم أن النظام الرسمي العربي قد أسقط جميع الخيارات من حسابه إلا أن التاريخ والواقع المعاش قد أثبت من خلال المقاومة أن إرادة الشعوب لا تُهزم، وأن كل محاولات إسقاط خيار المقاومة ومحاصرتها، أكدت أن المقاومة لن تموت، ولاتزال المقاومة مستمرة. وبالتالي فإن الحسم النهائي للصراع التاريخي بين الأمة العربية وتحالف الصهيونية والغرب الاستعماري والحسم مقبل لا محالة.