أ. عبدالعزيز عرار
باحث فلسطيني
تقديم : جاء هذا المقال في إطار الإجابة على سؤال طرح من قبل أحد الأصدقاء أما الكاتب فلا يأسف على جهود تسوية كانت محكومة سلفا بقوى متحالفة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية ونتائجها محكومة بالضرورة لمصلحة هذه القوى.
منذ ثلاثة أعوام حدث شيئ جديد ومهم في الوطن العربي أطلق عليه "اسم ثورات الربيع العربي".
وهو أسلوب جديد قديم في الاحتجاج والثورة ولكنه جاء أكثر تكثيفا وحركة جماهيرية شعبية،ورغم ذلك برزت في أحداثه أدوار خارجية لقوى دولية معروفة بعدائها السافر للقضايا العربية،وقد جاءت هذه الأحداث في سياق الحالة العربية المأزومة التي تحدث عنها المفكر العربي محمد عابد الجابري. ففي ظل حالة التأزم والفشل الذي مر بها النظام السياسي العربي القطري منذ أن صنعته اتفاقية سايكس ـ بيكو سواء في فشله في التنمية أوفي تطبيق الديمقراطية وفي حل القضية الفلسطينية وحسم الصراع مع الكيان الصهيوني. أخذت الجماهير العربية طريقها نحو عدة انتفاضات شعبية بخطوات سلمية احتجاجية مستمرة وتطورت أحيانا إلى عسكرة الانتفاضات والدخول في حرب وانقسامات بين الطرفي (الشعب والنظام السياسي).
وقد أصابت هذه الثورات تونس واليمن ومصر وليبيا وسوريا والبحرين ولكنها اختلفت فيما بينها بحجم الثورة والتدخلات الخارجية والقوى المحركة في هذه البلدان وتعد ليبيا وسوريا من أسوأ النماذج في تحول القوة الشعبية الاحتجاجية نحو العسكرة واستخدام السلاح وما نتج عنها من جرائم وانقسام وتفتيت وتدخل قوى دولية تحت مظلات مختلفة وقد انشغل الإعلام العربي وشعارات الحركات الشعبية بتطورات الأحداث الداخلية وإسقاط الحاكم وتغيير النظام وقد غابت من بين شعارات المعارضة والثورات الاحتجاجية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية قومية مركزية أو إسلامية خاصة وأن القوى الثائرة تدعي ارتباطها بالدين الإسلامي والعقيدة والغريب أننا لم نر للقدس وفلسطين في خطاباتها وشعاراتها ما يستحق الذكر!!!
إن ما جرى ويجري في الساحات العربية والتي هبت فيها الثورات وحدثت فيها التغييرات السياسية هو انشغال وتركيز في الشأن الداخلي قبل إسقاط الأنظمة وما بعد انتصار الثورات.
لقد احتلت مصر في عهد حسني مبارك دورا مهما في رعاية جهود التسوية بين الفلسطينيين والصهاينة،حيث لعبت دور العراب والضاغط على الطرف الفلسطيني وقد شهدت المنطقة العربية عدة مبادرات وتحركات منذ أن عقدت اتفاقية أوسلو عام 1993.
ومع أن كاتب هذه السطور لا يأسف على غياب الدور الأمريكي ولا دور عراب التسوية نظام حسني مبارك إلا أن هذا المقال يأتي للإجابة على سؤال تم طرحه في إحدى الندوات ليس أكثر.
لقد انكفأ الدور المصري في عهد مرسي إلى الشأن الداخلي ولا زال مشغولا به حتى يومنا هذا و يبدو أن مصر في عهد الإخوان المسلمين لا ترنو للعب دور سياسي في الحل سواء بتوظيف القوة أو الجهود السياسية بل هي مشغولة أكثر في إثبات شرعيتها الدستورية والقانونية وحكمها السياسي ولا يظهر في إعلامها وشعاراتها اهتمام بالقضية الفلسطينية، ولا يطمح مرسي للعب دور الزعيم القومي جمال عبدالناصر ولا دور البطل الرمز صدام حسين في علاقة العراق بالقضية الفلسطينية بل أن شعاره حافظ على ما بين يديك وإلا سيطير منك!!!.
إن الملاحظ أن قضية فلسطين أصبحت مغيبة وأرجئت حلولها إلى مسافة زمنية أبعد،خاصة وأن اليمين الصهيوني ينتهز الفرصة لتطبيق أجنداته في الاستيطان والتوسع فيه بمزيد من المستعمرات وقضم الأرض ليجعل فرصة حل الدولتين فرصة بعيدة المنال وباستثناء جهود هامشية يقوم بها جون كيري وهي أشبه ما تكون بملهاة ليس لها ما يدعمها من قوة،وفي ظل غياب التكافؤ والتناظر بين الطرفين الصهيوني والفلسطيني وغياب الدور القومي العربي الذي لعبه العراق في عهد البعث 1968ـ 2003 ومصر في عهد عبدالناصر 1952ـ 1970 ودور الثورة الفلسطينية 1965ـ 1993 وبسبب استمرار الثورات العربية وأجنداتها الدولية وسيرها في نطاق ثورات الفوضى الخلاقة واستمرار رحى الطاحون الدولية في سوريا وانشغال الكل بالكل وسيرهم نحو الانقسام والتفتيت الطائفي الذي ارتسمت خطوطه في صراع شيعي ـ سني، وعدم حسم الصراع لصالح أي من الأطراف سواء أكانت متطرفة أو معتدلة لصالح القضية أو ضدها مع الحل أو بدونه. كل ذلك يجعل الجهود السياسية مغيبة ومرجئة إلى حين تظهر فيه قوى جديدة وأنظمة عربية تلعب دورا مركزيا في خدمة القضية العربية قضية فلسطين وباقي قضايا الأمة وتوفر عناصر قادرة على تحريك آليات الصراع وتغيير موازين القوى على الساحة العربية ومن ثم الجلوس لطاولة المفاوضات وتحريك الجهود السياسية من جديد وسيبقى هذا مغيبا على الأرجح في الزمن المنظور لعقد من الزمن والسبب أن القوى التي تحتل خارطة الأحداث هي قوى طائفية ومذهبية تهتم بالصراع الداخلي ولا تلقي بالا بوحدة الهدف والغاية وتحديد معسكر الأعداء الأساس وهو (الصهيونية والأمبيريالية الأميركية والرجعيات العربية) أو تحديد معسكر الأصدقاء. فقط تهتم بتكفير فلان وعلان ولا تؤمن بالتعددية السياسية والمجتمع المدني وشعار الغاء الآخر طالما يختلف معها في مذهبها وطائفتها ولننظر ما سيجري.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.