قاسم حسين
منذ ختام جلسة مجلس حقوق الإنسان الأخيرة في جنيف وما تمخض عنها من مواقف دولية بشأن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، والوضع السياسي يتخذ منحى تصعيدياً حاداً.
السلطات سعت خلال الأشهر الأخيرة إلى تجنيد كل طاقاتها في سبيل التخفيف من درجة التركيز على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، واتخذت عدة خطوات عملية، من بينها إنشاء مؤسسات حقوقية رسمية إضافية، وإرسال وفود، وتقديم إصدارات وسيديات للمنظمات الدولية، فضلاً عن تقارير رسمية تثبت حدوث تقدم كبير، وأن الحكومة بدأت فعلاً «التعامل بجدية مع ملف حقوق الإنسان»، كما قالت وزارة حقوق الإنسان.
في هذه الفترة، كانت الأوضاع على الأرض تزداد سوءاً، من وجهة نظر المعارضة، بفعل زيادة التضييق على حركتها، وزيادة الاعتقالات، مع استمرار الاستخدام الزائد لمسيلات الدموع في المناطق الشعبية، كعقاب جماعي، مع تقليل عدد الضحايا المباشرين، لكي تستمر المعاناة ويستمر النزف.
كانت كل المؤشرات ترجح أن الحكومة ستكسب جولةً في هذا الملف المحرج، على المستوى الدولي، وخصوصاً أنها ذهبت إلى جنيف وهي على أهبة الاستعداد، متسلحةً بالمال والرجال، ومستفيدةً مما أُخِذَت به بغتةً في الجولة الأولى العام 2012، التي خرجت بـ 176 توصية، وهو رقم قياسي غير مسبوق على مستوى دول العالم.
ما حدث مؤخراً كان مفاجأةً غير متوقعة، فقد فشلت جهود الوفد الرسمي إلى جنيف في إحداث تحوِّلٍ ولو بسيط في مواقف الدول، بما فيها الدول الحليفة، وعلى الأخص الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى. وحتى حين حاول بعض أفراد الوفد البحريني تسريب أخبار عن «تفهّم» مواقف هاتين الدولتين وتقاربهما من الموقف الرسمي، سرعان ما صدرت تكذيبات لتلك الأخبار غير الصحيحة، ما زاد من حرج الموقف الرسمي.
كان عدد الدول التي أدانت البحرين في مارس الماضي بسبب أوضاع حقوق الإنسان 44، ارتفع في الجلسة الأخيرة إلى 47، وهو مؤشرٌ واضحٌ على فشل الجهود الرسمية في تحسين صورة البحرين حقوقياً.
ردّ الفعل السريع كان محاولة التغطية على هذا الفشل، تولّته وزارة حقوق الإنسان، بنشر أخبار تبيّن أنها غير صحيحة، ما تسبب في زيادة الحرج.
تداعيات جلسة جنيف توالت في الداخل، وبينما حاولت بعض الأقلام المقرّبة من الحكومة التخفيف من وقع الصدمة، والترويج بأن ما حدث ليس مهماً حتى لو وقف مئة دولة ضدنا، إلا أن الواقع على الأرض كان مختلفاً.
الخطوة الأولى كانت تشديد وزير العدل على القرار القاضي بمنع الجمعيات السياسية بالممثلين الأجانب والمنظمات الدولية. وهو قرارٌ كان موضع إدانة خارجية من أقرب الدول الحليفة للبحرين.
وبينما استمرت الاعتقالات بوتيرة متزايدة طوال الأسبوعين الماضيين، ومنعت المسيرة التي تنظمها الجمعيات السياسية يوم الجمعة الماضية، تم تسريب خبر نهاية الأسبوع، بخصوص الطلب من الشيخ حسين النجاتي بمغادرة البحرين، وهو ما تم تأكيده قبل ثلاثة أيام.
قبل يومين، ازداد الشدّ أكثر، فأُعلِن عن تقديم شكوى قضائية لحلّ المجلس الإسلامي العلمائي، وهو هيئةٌ دينيةٌ قامت على خلفية التباين بخصوص تركيبة المجلس الإسلامي الأعلى الرسمي، وكان يحدوها هاجس الاستقلالية في الرؤية والقرار. هذه المؤسسة المستقلة ظلت هدفاً لحملات إعلامية شرسة منذ سنوات، ازدادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة، وزادت إلحاحاً بعد جنيف.
آخر الإجراءات في سياق تداعيات جنيف… الداخلية تعدّ قانوناً خاصاً بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، وتوقيف النائب السابق خليل المرزوق لمشاركته في مهرجان خطابي قبل أسبوع. ألا يؤكد ذلك أنه «درسٌ قاسٍ آخر من جنيف»؟