جمعيات سياسية تدعو لمؤتمر وطني للوصول لصيغة تنقذ البلد من الأزمة
مدينة عيسى – أماني المسقطي
المتحدثون في ندوة المنبر الديمقراطي التقدمي
دعا ممثلو جمعيات سياسية معارضة لعقد مؤتمر وطني يهدف للوصول إلى صيغة توافقية تنقذ البلد من الأزمة التي تمر بها، استناداً إلى ما جاء في المبادئ التي طرحها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وتقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق. واعتبروا أن التقرير من شأنه مساعدة البحرين للخروج من مأزقها الحالي، شرط أن تلتزم السلطة السياسية بتنفيذ كل ما جاء فيه.
جاء ذلك خلال الندوة التي استضافتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي يوم الأحد الماضي (27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011)، بشأن ما أفضى إليه تقرير لجنة تقصي الحقائق.
وخلال الندوة، أشار نائب الأمين العام لجمعية التجمع القومي الديمقراطي محمود القصاب إلى ما وصفه بـ «الأدلة الصادمة» على انتهاكات حقوق الإنسان والاعتقال التعسفي والتعذيب لانتزاع الاعترافات في تقرير لجنة تقصي الحقائق، ناهيك عن تقديم الإعلام الرسمي «مواد مهينة وتحريضية للأحداث» بحسب ما جاء في التقرير، إضافة إلى تهيئة أجواء الانتقام من قبل مسئولين حكوميين لفصل موظفين من وظائفهم.
وقال: «ما جاء في التقرير كشف أن البحرين كانت تسير في خطر، كما أكد بما لا يقبل للشك أن الخيار الأمني وما رافقه من انتهاكات كانت مسئولة عن تفاقم الأوضاع وتزايد حدة الاصطفافات الطائفية».
وأضاف: «كقوى سياسية معارضة نرى أن الحل هو في بناء دولة ديمقراطية ونظام ديمقراطي لبرلمان تعددي، وذلك من خلال الدعوة لمؤتمر وطني تشارك فيه مختلف الفعاليات السياسية بالاعتماد على المبادئ التي طرحها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وذلك بغرض الوصول إلى صيغة توافقية تنقذ البلد من الأزمة الراهنة».
وأكد القصاب ضرورة عدم إغفال الأولويات الملحة التي تتمثل في الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين انتزعت منهم الاعترافات تحت وطأة التعذيب، بحسب ما جاء في تقرير بسيوني، وتعويض من لحقتهم الخسائر المادية جراء فصلهم عن العمل، معتبراً أن ذلك يحتاج إلى مسئولية وطنية وصدقية عالية ومغادرة للمواقف المتشددة.
وانتقد القصاب من وصفهم بـ «المنتفعين والمتشددين والانتهازيين والمنافقين» الذين ساهموا في خلق الأزمة في البحرين، والذين سيعمدون إلى خلط الأوراق وتعقيد الخيوط مجدداً، على حد تعبيره، من خلال الالتفاف على توصيات التقرير، مشيراً إلى أن ذلك يفسر دوافع الهجوم على التقرير بمجرد سماع كلمة رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني في يوم إطلاقه، لأن بعض حقائق التقرير «الموجعة» خالفت هواهم، على حد وصفه. وقال: «كل الخطابات التخوينية والسباب والشتائم التي وُجهت للقوى المعارضة كانت تنطلق من قاعدة مهزوزة، دحض ادعاءاتها ما جاء في تقرير تقصي الحقائق، فالمعارضة لا تدافع عن سياسة إيران وتوجهاتها في المنطقة، بل إن حضور إيران على المستوى الإعلامي أساء للحراك الشعبي في البحرين».
وتابع: «التقرير انطوى على الكثير من التوصيات، وأكد ما أكدته المعارضة من انتهاكات صارخة، ولكن التجاهل كان سيد الموقف من السلطة، كما أنه – التقرير – استبعد ما نفته المعارضة في وقت سابق من وجود مؤامرة خارجية في الاحتجاجات الأخيرة، وهو ما يعني أن معزوفة المؤامرة أصبحت خارج أي قيمة أخلاقية لها».
وأضاف قائلاً: «التقرير أكد الحاجة إلى استراتيجية للعبور بالبلاد من ضفة الأزمة إلى الحل لتحقيق الديمقراطية الكاملة، كما أكد أهمية الوحدة الوطنية والمصالحة الوطنية، وهذه المهمة ضرورية وعاجلة، ولا تقع مسئوليتها على الدولة فقط، وإنما على كل القوى السياسية والمجتمعية».
أما نائب الأمين العام للجنة المركزية في جمعية «وعد» عبدالله جناحي فوصف تقرير لجنة تقصي الحقائق بـ «الجيد»، مشيراً إلى أنه يضم عدة توصيات عملية وتأكيدا لما أكدته المعارضة من أن حركة «14 فبراير» كانت حركة شعبية وسلمية، ناهيك عما أكده التقرير من عدم وجود مؤامرة خارجية وراء هذه الحركة، وقال: «هذا التقرير لم يصدر من المعارضة السياسية، حتى لا يتم تبرير انحيازه للمعارضة أو ضغوطات خارجية، وإنما شكلت اللجنة بإرادة ملكية ورسمية، وبالتالي فالحكومة ملزمة بتنفيذ ما جاء في تقريرها».
ومضى قائلاً: «هناك توصيات في التقرير يجب تنفيذها فوراً، ومن بينها إطلاق سراح المعتقلين، وعودة المفصولين من الموظفين والطلبة إلى أعمالهم ومؤسساتهم التعليمية، إضافة إلى جملة توصيات أخرى تشير إلى وجود إدانات كاملة لمسئولين انتقموا من زملائهم من خلال التحريض على فصلهم، وهذه التوصيات يجب ألا يتم تعطيلها لخلق ثقة مع الحكومة».
وطالب جناحي الحكومة بالبدء بتنفيذ توصية التقرير الواردة في الفقرة 1715 منه، والتي تدعو إلى تشكيل لجنة وطنية محايدة تضم إلى جانب الحكومة ممثلين عن المعارضة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، مؤكداً تمسك جمعيات المعارضة بهذه التوصية، على أن يكون هناك إشراف من المفوضية السامية لحقوق الإنسان، باعتبار أن تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، يحتاج إلى خبرات أممية، وخصوصاً تلك المتعلقة بإعادة هيكلة وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني.
ووصف جناحي الآلية التي تم على إثرها تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ توصيات التقرير بـ «محاولة تمييع وتسويف وتعطيل» تنفيذ ما جاء في التقرير، مشيراً إلى أن التوصية تنص على متابعة تنفيذ التوصيات، في حين أن اللجنة التي تم تشكيلها مهمتها دراسة التوصيات والتعليق على ما تقوم به اللجنة الحكومية، معتبراً ذلك محاولة للالتفاف على التوصيات التي تهدف لتحقيق الإصلاح الحقيقي، على حد قوله.
ومن جانبه، قال نائب الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي عبدالنبي سلمان: «إن التقرير يعد مفصلا سياسيا، ولكنه يعتمد على آلية التعاطي الرسمي معه، فالتقرير الذي احتوى على 12 فصلاً، قدم سرداً أميناً للأحداث التي شهدتها البحرين في كثير من جوانبه، ولكن طاله بعض التزوير في بعض صياغاته، وكان واضحاً أن هناك تدخلا مخلا بالفقرات لتحقيق بعض الأهداف السياسية».
وأضاف: «هذا التقرير يعتبر خطوة شجاعة من جلالة الملك في عرض مضمونه أمام 200 صحافي يغطون حدث إطلاق التقرير، وخلاصة التقرير التي عرضها بسيوني عرت بشكل واضح ما كنا نتحدث عنه في المعارضة، وخصوصاً فيما يتعلق بالإعلام الرسمي، الذي كان موجهاً لتسويق صورة سيئة عن المعارضة وربط تحركاتها بمؤامرة خارجية، وعلى رغم أننا لا نبرئ إيران من محاولة استغلال أحداث البحرين، فإن الحدث استمر بمطالب شعبية لشعب البحرين، وهي مطالب مازلنا متمسكين بها».
وتابع: «الحراك الشعبي خلال الأشهر الماضية، كان لابد أن تكتنفه بعض النواقص، فممثلو المعارضة ليسوا ملائكة، ولكن على السلطة أن تعترف بأنها أخطأت بدورها».
وأكد سلمان أن المعارضة كانت تسعى إلى إنجاح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك منذ بدايته، ولكن في الوقت الحالي حتى من هم في السلطة لا يتحدثون عن مشروع إصلاحي، على حد تعبيره، وقال: «يبدو أن هذا المشروع لم يعد قائماً، لأن حتى من هم في السلطة لا يتحدثون عن المشروع الذي مضى على إقراره عشرة أعوام، ولذلك نحن بحاجة إلى مشروع إصلاحي جديد بما يتوافق مع تقرير بسيوني».
واعتبر سلمان أن بإمكان التقرير مساعدة البحرين للخروج من مأزقها الحالي، شرط أن تلتزم السلطة السياسية بما يسمى المواطنة، وعدم تجاهل أي من مكونات هذا المجتمع، وقال: «على السلطة أن تتعلم الدرس جيداً، بأن القوى السياسية لديها منهجية واضحة في الدفاع عن الحقوق، ولا يمكن الاعتماد على كائنات مصطنعة لصياغة مستقبل البحرين السياسي».
وختم حديثه بالقول: «لا يمكن تكرار سيناريو ما حدث في حوار التوافق الوطني، والاعتماد على لجنة بمثل هذه الآليات المنقوصة، ومن الظلم أن توضع القوى السياسية في مأزق للتصادم فيما بينها، ومثل هذه الترقيعات لن تساعد في الانطلاق بهذا البلد إلى الأمان»
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3370 – الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ