قاسم حسين
كثيراً ما ينقلب السحر في السياسة على الساحر، وكثيراً ما يقع المرء في الحفرة التي حفرها لأخيه، وهو ما ينطبق على تمرير قوانين «الجمعيات» و «التجمعات» و «الإرهاب».
القوانين الثلاثة صدرت برغبةٍ رسميةٍ، ومباركةٍ من النواب الذين اصطلح على تسميتهم بـ «الموالاة». وقد صدرت القوانين الثلاثة تباعاً قبل عدة أعوام، في أوضاعٍ سياسيةٍ هادئةٍ، وفي ظل هيمنة الموالاة على مجلس النواب.
من كان ينظر للمستقبل، كان يضع في حساباته هامشاً لتغيّر المعادلات وتقلبات السياسة، وهو ما غاب تماماً عن تفكير النواب الذين مرّروا حزمة القوانين، لأنهم لم يكونوا ينظرون لما هو أبعد من أنوفهم، ولا يعيشون إلا ليومهم.
كتب الكثير عن دوافع صدور قانون «الجمعيات» و«التجمعات»، لتحجيم الحراك السياسي الشعبي والحدّ من حرية حركته والتضييق عليه، بقيودٍ حريرية من القانون. وكان القانون يستهدف القوى المعارضة، وطنيةً أو يساريةً أو إسلاميةً، وتصرفت جمعيات الموالاة باعتبارها طرفاً مستفيداً أول من كلّ تضييقٍ أو إقصاءٍ أو تحجيم ينال قوى المعارضة. وقد أثبتت أحداث العامين الأخيرين أنها كانت «الرابح الأكبر»، من كلّ ما حدث، وتصرفت على أنها فرصة تاريخية قد لا تتكرر، لاقتناص الغنائم والأسلاب، والصعود على أشلاء الآخرين واحتلال مواقعهم ووظائفهم، دون تحكيمٍ لعقلٍ أو دينٍ أو وطنيةٍ أو ضمير. ومن هنا نقدنا الدائم لهذه الجمعيات، التي غابت عنها البصيرة الوطنية ونزعة العدالة والإنصاف، وليس لجذورها المذهبية أو انتماءاتها الطائفية.
في تراث الغوص تتكرّر في أمثال أهل الخليج مفردات تقلبات البحر الذي ليس له أمان، وهو ما ينطبق كثيراً على بحر السياسة. ومن يبني حساباته من جمعيات الإسلام السياسي، على لحظةٍ تاريخيةٍ غير طبيعية، كالتي مرت على البحرين خلال هذين العامين، إنما يبني مستقبله على وهم، خصوصاً عندما يبني استراتيجيته على الإضرار بالآخرين وإقصائهم وإنزال أكبر أذى مادي ومعنوي بهم، والتواطؤ ضدهم والرقص على جراحهم، في حفلة زارٍ جنوني للاستئثار بالفضاء العام.
إن أي حراك سياسي له ضحاياه، في مختلف أنحاء العالم. وفرقٌ كبيرٌ بين أن تقف إلى جانب التغيير السياسي والإصلاح الحقيقي، وبين أن تقف إلى الجانب الخاطئ من التاريخ، حتى لو أطلت لحيتك وتمسّحت بلباس الزاهدين.
إن من مظاهر التلون والمخاتلة والخداع، أن ترفع لافتةً إسلاميةً على مقر جمعيتك، ولكنك تقف ضد من يطالبون بالحرية والعدالة والمساواة والمواطنة المتكافئة واحترام كرامة الناس. فـ «الحياة أقصر من أن يسمح الإنسان لنفسه بالتحول إلى قرد» كما قال الروائي البلغاري نيكولاي خايتوف.
حين أقرّ أولئك النواب حزمة قوانين «الجمعيات» و «التجمعات» و «الإرهاب»، كانت ترد على ذهني بعض الأسئلة الشاردة: هل سيأتي يومٌ تُحاسب جمعياتهم على مخالفة القانون كتهريب أموالٍ إلى حركات عسكرية؟ وهل سيجد بعضهم نفسه ضحية قانون الإرهاب عندما يفتح فمه بكلمة؟ وهل سيأتي يومٌ ينزل فيه أبناؤهم إلى الشارع في مظاهرة للمطالبة ببعض الحقوق وتنذرهم الشرطة ليتفرقوا عندما يزيد عددهم على خمسة أشخاص؟
من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها. لقد بانت النذر… جفت الأقلام وطويت الصحف.