«الزم حدودك«.. هذه بالضبط هي الرسالة التي وجهتها الولايات المتحدة الى رئيس الوزراء العراقي المالكي في اليومين الماضيين، وبشكل واضح وحازم ولا يحتمل أي لبس. الذي حدث ان المالكي حين كان في ابوظبي قال جملة واحدة نصها «التوجه الحالي هو التوصل الى مذكرة تفاهم إما لجلاء القوات وإما مذكرة تفاهم لجدولة انسحابها«. قصد بالطبع ان هناك مفاوضات مع الولايات المتحدة حاليا في اطار التفاوض على الاتفاقية الامنية، لوضع جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية من العراق.
ما ان ادلى المالكي بهذا التصريح، حتى صدر في غضون وقت قصير رد فعلين من امريكا، احدهما من وزارة الدفاع الامريكية، البنتاجون، والثاني من البيت الابيض. المتحدث باسم البنتاجون قال «ان أي جدول زمني للانسحاب سيعتمد على الظروف الميدانية على الارض«. والمتحدث باسم البيت الابيض قال انه لا توجد اساسا أي مفاوضات تجري حول جدول زمني و«اننا نهتم بالظروف وليس بالجداول«. معنى ما قاله المتحدث باسم البنتاجون للمالكي هو مباشرة: لست انت الذي يحدد او حتى يتحدث عن أي جدول زمني. نحن الذين نحدد وبناء على تقديرنا نحن «للظروف« ثم عاد المتحدث باسم الخارجية الامريكية في اليوم التالي ليؤكد ان الولايات المتحدة ترفض الطلب العراقي بـ«جدولة الانسحاب« وان هذا الانسحاب سيرتبط بالظروف. هناك جانب غير مفهوم في هذه القضية وفي هذا الجدل الذي دار في اليومين الماضيين. هل صحيح ان المالكي وامثاله يريدون حقا انسحاب القوات الامريكية؟ هذا امر يبدو غريبا. يبدو غريبا لان حكومة المالكي هذه هي حكومة تابعة للاحتلال ولولاه لما كان امثال هؤلاء موجودون في العراق اصلا ناهيك عن ان يكونوا مسئولين. و منذ اسابيع قليلة، حين كانت تثار في الكونجرس الامريكي مثلا مطالبات لإدارة بوش بسحب القوات ووضع جدول زمني للانسحاب، كان المالكي نفسه هو الذي ينبري للرد ويؤكد للامريكيين ان هذه الدعوة للانسحاب خطر جدا وان العراق محتاج الى وجود هذه القوات. فما الذي استجد اذن؟ وماذا بالضبط وراء هذا الحديث؟ هنا اتفق تماما مع تحليل قدمه المحلل الامريكي المعروف روبرت درايفوس بالامس لهذه المسألة. قال في تحليله ان هناك ثلاثة اسباب تفسر حديث المالكي هذا عن ضرورة جدولة انسحاب القوات الامريكية: العامل الاول والاكبر ، هو الضغوط التي تمارسها ايران على حلفائها في العراق، والذين يعتبر المالكي وحزبه في مقدمتهم. أي ان كلام المالكي ما هو الا رضوخ للضغوط الايرانية. والمسألة هنا بالنسبة الى ايران كما هو مفهوم انها تستخدم العراق ونفوذها الطاغي فيه ورقة في صراعها مع امريكا، وتريد ان تثبت لامريكا انها تستطيع وقتما تشاء ان تعقد الامور بالنسبة للادارة الامريكية في العراق باساليب وطرق شتى. والعامل الثاني، ان المالكي يريد استرضاء قوى مؤثرة في العراق تطالب بالانسحاب، وخصوصا التيار الصدري والقوى السنية. والعامل الثالث، ان المالكي، وقد ادلى بتصريحه في ابوظبي، يظن انه بكلامه هذا يستطيع اقناع الدول العربية بدعم حكومته وارسال السفراء وما شابه ذلك من اوجه دعم. هذه هي المسألة اذن . لكن وايا كانت التفسيرات ، هل يستطيع المالكي ان يصر على موقفه هذا بضرورة ان تحدد امريكا موعدا لانسحابها من العراق؟ بالطبع لا . لن يمضي وقت طويل قبل ان يضطر المالكي الى ان
أن يلزم حدوده.