د / علي محمد فخرو
لا تحتاج المرأة العربية إلى يوم المرأة العالمي، ولا إلى أية احتفالية فولكلورية تسعى إلى شدّ عزيمتها أو إرشادها إلى ما يجب أن تفعله لشقّ طرق حضورها الكامل غير المنقوص في الحياة العربية.
لنقم بزيارة المدارس والجامعات ومراكز البحوث وكل أنواع المؤسسات التربوية والتدريبية الأخرى، لنراها تلميذة متفوقة وأستاذة متألقة ومديرة كفؤة، لنقم بزيارة مؤسسات الصحة لنراها طبيبة ناجحة وممرضة وفنية وإدارية قديرة، لنقم بزيارة ساحات الإعلام والثقافة، وشتَّى أشكال المهن الرفيعة المستوى، ومؤسسات المجتمع المدني السياسية والاجتماعية والتطوعية، ومنابر الأدب والشعر والفنون، ونشاطات الاقتصاد والمال والإدارات الحكومية، لنكتشف زخم تواجدها وإبداعاتها.
مثل هكذا وجود حي متعاظم ما كان ليكون لولا جهودها الذاتية وأحلامها الطموحة وتمردها على القيود والبلادات والأعراف وكل أشكال السجون وتاريخ طويل من الإذلال والتهميش. إنه وجود كثمرة لنضال نسائي طويل يعود الفضل في نجاحاته وانتصاراته إلى المرأة العربية في الدرجة الأولى.
في الحياة العامة، في بناء المجتمعات والدول، في إثبات الذات بنديّة ودون استعطاف أو أخذ موافقة أحد، نجحت المرأة العربية في أن تكون نهرًا متدفقًا لا توقف جريانه صخور ولا سدود مصطنعة ولا قاذورات يلقيها هذا الموتور أو ذاك الجاهل المتخلّف. لا يوجد خوف عليها في الحياة العامة، وهي لن تحتاج إلى أحد غيرها. وستحقق المزيد طال الزمن أو قصر.
لكنَّ المرأة العربية لديها إشكالية في حياتها الخاصة التي يجب أن توليها أهمية كبرى مختلف المناسبات الاحتفالية، من مثل احتفالية يوم المرأة العالمي. وفي هذا الجانب يجب أن يوجد تيار فكري وفقهي نضالي مستقل غير مجامل لأحد، وذلك من أجل مساعدة المرأة العربية في نضالها لحل إشكاليات تلك الحياة الخاصة.
فما عاد من المعقول في هذا الزمن، الذي يقترب فيه العالم من جعل التعليم إلزاميّاً حتى نهاية المرحلة الثانوية، أن تسمح القوانين، مستندة إلى قراءات فقهية اجتهادية جديدة مطلوبة ومراعية لأوضاع مجتمعية عربية جديدة مختلفة عن المجتمعات العربية القديمة، بتزويج البنات والأولاد قبل سن السادسة عشرة أو حتى الثامنة عشرة. إن ذلك يبقي للمرأة العربية مجالاً مفتوحاً للالتحاق بالتعليم الجامعي أو القدرة على الالتحاق ببرامج التدريب فيما لو اضطرتها الظروف إلى أن تدخل سوق العمل بسبب تعثُّر الزواج أو حاجة العائلة إلى مزيد من الإمكانيات المادية الضرورية.
ما عاد من المعقول في زمن تضعف فيه الروابط العائلية والتزامات أفرادها تجاه البعض الآخر أن لا يصار بالنسبة إلى نظام الميراث إلى استعمال فقهي وقانوني عادل إنساني لما جاء في الآية القرءانية الكريمة: «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتقين» (البقرة: 180).
ولما كانت كلمة الأقربين، بحسب الإمام الشافعي، تعني من بين ما تعنيه الذكور والإناث، الوارثين أم غير الوارثين، فإن الآية إذن تجيز الوصية لوارث ولغير وارث، ومنهم البنات والزوجة والأم كجزء من حق الإنسان في التصرف بماله خلال حياته كما يشاء ويريد، لكن بالطبع ضمن أسس عادلة أكدتها الآية الكريمة بالتوجيه عن عدم الميل عن طريق الحق، أي طريق العدالة في الوصية، ويمكن أن يفصل كل ذلك الفقه أو القانون.
ولا يسمح المجال هنا للدخول في الخلافات الفقهية، بين المذاهب والفقهاء، حول نسبة ما يوصى به ومن يشمل، وذلك بالاستناد إلى حديثين أحاديين، وبالتالي ضعيفين، يتعارضان مع هذه الآية الكريمة، التي في مقاصدها الكبرى، تمثل قمة السماحة والعدل والرّحمة الإلهية.
وينطبق الأمر على الحاجة الملحة إلى مراجعة وتجديد الفقه المتعلق بتعدد الزوجات والطلاق وختان المرأة وحضانة الأطفال وحقوق أطفالها في الجنسية وحقوق المواطنة عند زواجها من أجنبي… مراجعة وتجديد يرفعان عن المرأة الظلم والتزمُّت الجاهلي والفقهي، وابتزازها من قبل تلك الجهة أو تلك، وجعل الأم مساوية للأب في الحقوق والواجبات بندية كاملة في مؤسسة العائلة.
ولقد كتب الكثير الكثير من قبل كتاب إسلاميين مستنيرين حول تلك المواضيع وأبرزوا كيف أن الفقه الإسلامي امتلأ بالأحاديث الكاذبة على نبي الإسلام (ص) أو الأحاديث الأحادية الضعيفة والقراءات والاجتهادات الفقهية التي اعتمدت على علوم وتجارب حقب تاريخية لا ارتباط لها بالعصر الذي نعيش.
عندما تجرى تلك المراجعات الفقهية المبنيّة على المقاصد الكبرى للدين الإسلامي الحنيف، في قرآنه وأحاديث نبيه الصحيحة المؤكدة العلنية، مقاصد الحق والقسط والعدالة والرّحمة والمساواة في الكرامة الإنسانية، وتخرج المرأة العربية من سجون العادات البدوية الجاهلية الظالمة البدائية، كما أرادت ثورة الإسلام العظيمة الكبرى، وتتخلّص المرأة العربية من آلام وأحزان وقساوة حياتها الشخصية التي تضعفها وتنهكها، عندما يتم ذلك سنكون قد ساعدنا المرأة العربية على إكمال مسيرة نضالاتها الذاتية، جنباً إلى جنب مع الرجل، في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، نضالات مبهرة قامت على جهود وإبداع وتضحيات المرأة في الماضي وستقوم عليها في المستقبل.