هاني الفردان
كلمة الإرهاب بحد ذاتها كلمة مثيرة للجدل، إذ للكلمة معانٍ عديدة تعتمد على الانتماء الثقافي والديني للشخص، ولكن مفهوم الكلمة الحالي الذي تستعمله وكالات الأنباء الغربية هو «أي عمل يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل».
مفهوم الإرهاب لدينا في البحرين مختلف جداً، فـ «الإرهاب» وهو كل ما يمكن أن تراه السلطة «إرهاباً» وكفى، وغير ذلك لا يمكن أن يوصف إرهاباً، وقس على ذلك. ففي نظر وزارة التربية والتعليم الإرهاب هو ما يتعلق بجدرانها ومقاعدها وطاولاتها وحاويات القمامة القريبة من مدارسها، والشوارع المحيطة بها.
بالنسبة لوزارة التربية، الاعتداء على طالب من طلابها، وخضوعه تحت وصايتها وحمايتها، ليس إرهاباً، ولا يستحق إصدار بيان يشجب ويستنكر، ويوثق هذه الحالة ضمن قائمة بيانات الاستنكارات والإدانات اليومية التي تصدرها الوزارة حتى وصل عددها في العام الماضي فقط 87. فضرب الطالب علي منصور القصاب (17 عاماً) من قبل مجموعة، يوم الأربعاء (10 أكتوبر/ تشرين الاول الجاري 2012) عندما كان خارجاً من مدرسة مدينة حمد الإعدادية للبنين، ليس إرهاباً. والسبعة الذين قاموا بالاعتداء عليه، بالتأكيد ليسوا من «المخربين» الذين امتلأت بيانات وزارة التربية والتعليم بهم، ولا يستحقون إصدار بيان بشأنهم.
بالطبع فإن الأسياخ التي كانوا يحملونها، تختلف عن الأسياخ التي تحاربها السلطة وتضعها ضمن قائمة الأسلحة الإرهابية، وكذلك الأخشاب، أما الـ «رينغ بوكس» فهذه الأداة جديدة لم يناقش أمرها، وما إذا كانت يمكن أن تخضع لقانون الجنايات أم قانون الإرهاب، وتحتاج للجنة متخصصة من خبراء قانونين، وخبراء في فنون القتال، لدراسة وضعها القانوني ومدى خطورتها على الأمن القومي.
بالطبع بيانات وزارة التربية فقط تتناول جانباً واحداً، ولا علاقة لها بأي جانب آخر، فمسئولية الوزارة حماية منشآتها والذود عنها، أما الطلاب فينقسمون إلى فئات: فمنهم من يستحق بيانات الشجب والاستنكار وتشكيل لجان التحقيق وتحويل القضية للنيابة العامة، ومنهم من لا يساوي دمه ورقة البيان وحبر طباعته في نظرهم، لأنه من فئة «الخونة» المباح فعل كل شيء في حقهم.
نسجل استغرابنا عندما تصدر الوزارة عشرات البيانات بشأن اعتداءات على جدران مدارس، وهو فعل مستنكر وتتجاهل الاعتداء على البشر والطلاب. ونسجل استغرابنا، عن صمت الوزارة في هذه القضية وعدم الحديث عنها، أو تشكيل لجنة للتحقيق فيها، ومعرفة ملابساتها. ونسجل استغرابنا لاهتمام الوزارة بالحجر، وعدم اكتراثها بالبشر.
الاعتداء على الطالب القصاب وإسالة دمه، ليس موضوعاً ذا أهمية بقدر أهمية قنينة ماء يلهُو الأطفال بها أثناء الفسحة ليصور المشهد على أنه لعب بـ «المولوتوف»، يستحق بيانات شجب واستنكار وتوثيق حالة.
بالتأكيد الاعتداء على طالب ليس اعتداء إرهابيين يستهدفون ضرب الحركة التعليمية في البحرين، ولا يثير الخوف في نفوس الطلبة ولا أولياء أمورهم، ولا يزعزع الثقة في أمن المدارسة، وقدرة الوزارة على حماية الطلاب.
إذاً ما حدث للطالب القصاب، هو أمر عادي جداً وطبيعي، قد نشهده كل يوم، وبالتالي فلا داعي لأن يضخّم إعلامياً، ولا أن يذكر، فماذا يعني أن يضرب طالب أثناء خروجه من المدرسة ويسال دمه وينقل إلى المستشفى، إذ كان من المفترض أن يعتبر ذلك درساً من دروس الفنون القتالية، وجزءاًَ من التضحية الوطنية.
بالطبع هذا الاعتداء ليس من اختصاص الوزارة التي من واجبها حماية الطلاب أثناء توجههم من وإلى المدرسة، وماذا لو كان هذا الاعتداء من قبل «خارجين عن القانون» كما يحلو لـ «التربية» تسميتهم لكان للموضوع حديث اخر، فلن يطول صمت الوزارة، وسنشهد التطبيل الإعلامي الذي لا يتوقف عن الحادثة، وآثارها على سلامة الحركة التعليمية، وما تركت من آثار نفسية على جموع البشرية، والتي بالضرورة ستتطلب التحقيق والمساءلة، والتدخل العاجل والسريع لمعالجة هذه المشكلة التربوية حتى لا يعيش الطلبة حالة من الخوف والهلع.
حراك وزارة التربية والتعليم خلال المرحلة الماضية لم يكن أبداً حراكاً تعليمياً ولا تربوياً، بل كان حراكاً سياسياً، غريباً يثير الكثير من التساؤلات والاستفسارات بشأن الأهداف من ذلك، ومن المستفيد؟