نشر في حسناً، لقد كانت مؤسسة القمة العربية منسجمة مع تاريخها الحديث المليء بالشلل والعجز وقلة الحيلة وبلادة اللف والدوران حول القضايا التي تحتاج إلى عزيمة الرجال. وكانت مستجيبة بايجابية وخفض الحاجب لتوقعات التسعين في المائة من المواطنين العرب الذين أكدوا في أحد استفتاءات قناة الجزيرة الفضائية بأنهم لا ينتظرون من اجتماعات القمة اتخاذ أية قرارات حاسمة.
حسناً، أطلقت العديد من نكات الثرثرة: فهي ستجتمع بعد ستة أشهر لتقرير إن كانت ستطلق صيحة الشاعرالعربي الفرزدق بقتل مربع، بينما الكل يعلم بأن الجواب على تلك الصيحة سيكون “ أبشر بطول سلامة يامربع “. وهي قدمت النصيحة للرئيس الأمريكي بأن لا يتزحزح عن موقفه الضعيف الهزلي المبكي أمام اللوبي الصهيوني المتوحش بشأن ايقاف الاستيطان الصهيوني لبضع عشرات من الأيام. وهي ستقفز فوق التاريخ والمنطق لتكوين كتلة الجوارالعربي وهي العاجزة عن تكوين الخطوة الأولى فـي الحوار التنسيقي العربي، وأغلبيتها رافضة حتى للتحدث مع أحد أبرز مكونات كتلة الجوار المقترحة، وهي جمهورية إيران الإسلامية.
هذه، باختصار، هي الصورة التي رسمها أغلب الكتاب والمعلقين الإعلاميين العرب عن إجتماعات تلك المؤسسة. وكنت كلما قرأت أو استمعت إلى تلك الكتابات والتعليقات والتحليلات أبتسم وأمني النفس بأن أحصل على جواب لهذا السؤال المحوري: إذا كانت الكتابات والأقوال مجمعة على هزال هذه المؤسسة، وضعف ارادة غالبية أعضائها الساحقة، وقلة حيلتها في أن تفعل شيئاً في المستقبل القريب فما الذي يقترحه هؤلاء للخروج من هذه المحنة العربية التي تعيشها أعلى سلطة سياسية في الوطن العربي؟
لو كانت هذه مؤسسة قمة أوروبية، على سبيل المثال، فان المواطنين غير الراضين عن أدائها سيسقطون في الانتخابات القادمة كل الرؤساء أو الأحزاب أو الحكومات التي تمثلت في اجتماعات القمة الفاشلة، وبذلك يصححون مسار مؤسستهم، وتتقدم مسيرة التاريخ إلى الأمام نحو أهداف الشعوب الأوروبية. ولكن ما العمل في وطن تحكم غالبية أقطاره أنظمة غير شرعية وغير ديمقراطية وغير محكومة لا بدستورأو قانون أو ضمير؟ ما العمل في دول ابتلعت الغالبية الساحقة من أنظمة الحكم فيها مجتمعاتها المدنية وأحالتها إلى مجتمعات مغلوبة على أمرها، منقسمة على نفسها على مستويات الطائفة والقبيلة والعرق والأقطار، تعيش يومها كالدجاج المنكس الرأس وهو يبحث عن فتاة الدود ليسد بها رمقه بعد أن نهبت مجموعات صغيرة أنانية جشعة كل ثرواته المادية والمعنوية؟
مثل هذه الأسئلة لن تجد لها جواباً فيما كتب وقيل عن هذه المؤسسة العربية وعن المنكسي الرؤوس من أعضائها. ذلك أن الشعب العربي لا يحتاج إلى من يدله على مآسي ومهازل وبلادات مناقشات وقرارات تلك القمم ولا على خضوعها لحسابات الخارج في الدرجة الأولى.
الشعب العربي يعرف أن المجتمعين لا يهمهم أن يتنبأ تسعون بالمئة من مواطني بلدانهم بفشلهم ويؤكدون بذلك عدم ثقتهم في قدراتهم ولاحتى في سلامة نياتهم، ولا يلتفتون إلى العديد من النداءات والاعتصامات والكتابات التي وجهت إليهم قبل انعقاد قمًتهم. إن ما يهمهم بالدرجة الأولى هو الإنسجام مع ما تمليه دوائر من مثل وزارة الخارجية الأمريكية أو اللجنة الرًباعية الدولية أو المعاهدات المكبلة للإرادة الوطنية والقومية، وهو أيضاً عدم إحراج الأنظمة السياسية العربية التي غاصت في وحول التطبيع مع العدو الصهيوني في فلسطين المحتلًة حتى قمم رؤوسها، وفقدت حياء العفًة في أسواق نخاسة بيع الشعوب وكرامة الأوطان وقيم رسالات السَماء.
إن الذين كتبوا وعلقوا يعرفون جيداً بأن هناك تاريخاً للبشرية، وطرق مغالبة العجز والذل والهوان على النفس واضحة وضوح الشمس عبر قرونه.
إنهم لا يجهلون تاريخ انبياء البشرية، وثائريها، وعادليها، وماسكي ألوية نضالات شعوبها، سواء في أرض العرب والإسلام أم في قارات العالم كله. إنهم يعرفون بأن التحليل والشجب والنقد اللاذع دون فعل يتبعه هو الآخر عجز الخروف في لباس الذئب. إنهم يعرفون بأن قادة المؤسسة العربية قد قالوها مراراً لشعوب أمة العرب من أنهم إما عاجزون، أومرتهنون للخارج، أو يستهزئون بمشاعر وكبرياء وطموحات هذه الشعوب، فما الذي يجب أن تقوله الشعوب لمثل هكذا قادة، وتقرن أقوالها تلك بالفعل وبالحفر في صخر الواقع ؟ هذا ماتنتظره الشعوب من مفكريها وقادة مؤسسات مجتمعاتها الحية. وماعدا ذلك فانه غثاء وزبد وجعجعة بلا طحن. إننا يجب أن نظل نذكر أنفسنا “بأنُ النهايات العظمى للحياة ليست المعرفة، بل الفعل”، كما قال توماس هكسلي. مطلوب منا، نحن الذين نكتب ونحلل، أن “نفكر كرجل الفعل، ونفعل كرجل الفكر “كما قال هنري برغسون. نحن لا نفعل ذلك، ولذا تظل أقوالنا عن مؤسسة القمة تدور حول نفسها عبر السنين والعقود.