قاسم حسين
من يتابع الوضع المحلي، سيلتقط الإرهاصات الأولى لقرار الجمعيات السياسية المعارضة مقاطعة الانتخابات المقبلة، من خلال حملتين متوازيتين: التخوين والتهويل.
في الديمقراطيات العريقة لا تكون المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات سبباً للتخوين أو التسقيط أو التشكيك في الولاء والاتهام بالعمالة للخارج. وهو ما بدأ يتسرب في بعض التصريحات الرسمية، علماً بأن حملات التخوين والتسقيط والتحقير مستمرة منذ سنوات، إلى درجة أن السيد محمود شريف بسيوني رصدها بسهولة خلال تواجده لأشهرٍ معدودةٍ، ووثّقها في تقريره الشهير.
أما حملة التهويل، فكانت قبل إعلان المقاطعة، وربما تستمر لأيامٍ وأسابيع، بحسب ما يفرضه المزاج السياسي العام، وهو ما يعتبره بعض المحللين داخلاً في نطاق الحرب النفسية.
الكثيرون بدأوا يتساءلون عمّا ستحمله السنوات الأربع المقبلة، ونحن لا نعلم الغيب، إنما نتلمس طريقنا على ضوء الاحتمالات. فأنت أمام ثلاثة سيناريوهات: الذهاب في طريق تخفيف الاحتقان؛ استمرار الوضع المأزوم كما هو؛ أو زيادة التصعيد… والأخير هو ما يهوّل به المهوّلون.
هذه السيناريوهات الثلاثة تتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم. السيناريو الأول «المتفائل» أن الأمور ذاهبة للتخفيف، على أساس أن السلطة أحكمت قبضتها وحقّقت جلّ مرادها وأبعدت المعارضة عن البرلمان ليخلو لها الجو ببرلمانٍ سيكون مطواعاً جداً. وليس صحيحاً القول إن السلطة كانت متلهفةً جداً على دخول المعارضة، بدليل تلويحها بتقديم فريق احتياطي بديل للمعارضة قبل ثلاثة أسابيع، كما فعلت للموالاة في انتخابات 2010، حين استبعدت المنبر الإخواني والسلف وقلصتهما حتى أصبحتا معاً أصغر كتلة في البرلمان!
تغيير الدوائر وإلغاء المحافظة الوسطى وتوزيع دوائرها على بقية المحافظات، أعطى المعارضة 16 مقعداً مضموناً، وترك لها المجال للمنافسة الشرسة على مقعدين آخرين فقط، وهي النتيجة نفسها التي كان يتيحها لها التوزيع السابق. وهو ما يذكّرنا بقول سلمان الفارسي (رض): «كرديد ونكرديد»، أي «فعلتم ولم تفعلوا شيئاً». وهو أمرٌ قد تعتبره السلطة إنجازاً كبيراً، قد يشجّعها على تخفيف الضغوط وإرخاء بعض القيود.
السيناريو الثاني استمرار الوضع المأزوم كما هو، على الوتيرة نفسها، دون تغيير. وهو ما يعني استمرار درجة الاحتقان نفسها، واستمرار الاعتقالات والمداهمات، وإصدار الأحكام المشدّدة، وبين فترة وأخرى تحدث اضطرابات في السجون بسبب سوء المعاملة. ويعني استمرار التضييق على أنشطة الجمعيات، وملاحقة الناشطين الحقوقيين وتقديمهم للمحاكمات؛ والرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» لتخويف الجمهور من الدخول والتفاعل والتعليق على الوضع السياسي الداخلي.
هذا السيناريو يعني استمرار النهج الإعلامي المعتمد منذ سنوات، والقائم على تسقيط وتخوين المعارضة والتشكيك في ولائها الوطني وربطها بالخارج. ويعني استمرار نشر ما لا يقل عن عشرة مقالات يومية في الصحف، لو أخضعت للمحاسبة لصُنّفت ضمن حملات الحض على الكراهية لما تحمله من روح عنصرية تخالف أخلاقيات الصحافة. وعموماً هذا هو السيناريو الأوسط والأكثر توقعاً.
السيناريو الثالث يقوم على التهويل والتخويف، ويستلهم نظرية جورج بوش الابن التي تبنّاها في حربه على العراق: «الصدمة والترويع». ولأنني لست متفائلاً جداً ولا متشائماً جداً، أعتقد بأن هذا السيناريو غير عملي وغير واقعي، لأنه يوحي بانتقال البحرين إلى مرحلة الحرب الأهلية كما حدث في رواندا! ويعني أن الحكم سيشدّد قبضته أكثر، ويضاعف الاعتقالات وينفذ الإعدامات وتسيل في الشوارع الدماء!
لسنا في هولندا ولا بريطانيا طبعاً، ولكننا لسنا في رواندا ولا الصومال. ولا داعي للتهويل على الناس بأخطار المقاطعة أو المشاركة، وترهيبهم بسبب خياراتهم وقناعاتهم السياسية. فمن شاء فلينتخب ومن شاء فليقاطع، وما جعلكم الله أوصياء على خلقه.