أكثر من ثلاثة عشر قرناً والعالم يحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن على سيد الشهداء وأبو الأحرار، ولازالت فاجعة ‘’الطف’’ بكل تفاصيلها يستذكرها الناس ليستعيدوا مواقف العزة والإباء ويعززوا صمودهم في وجه الظالمين والطامعين، ولازالت دعوات الحسين بن علي في أرض كربلاء تتردد أصداؤها حين قال ‘’ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة’’ وشعاره الخالد وهو يخاطب الجيش الجرار والقوات التي تجوقلت لقتاله ‘’إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد كونوا أحراراً في دنياكم’’. وينقل لنا الرواة عظمة أصحاب الحسين الذين اجتمعوا لنصرته وروح الفداء والتضحية التي عمرت قلوبهم عندما قال لهم
‘’هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا’’ فكان رد أصحابه رد الأعزاء الأباة الذين فضلوا الاستشهاد على معيشة الذل والهوان فقالوا ‘’والله لا نفعل ذلك ولكن تفديك أنفسنا وأهلنا وأموالنا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك’’ فكان استشهادهم جميعاً في يوم العاشر من المحرم العام 61 للهجرة، خالداً خلود العظماء.
واصلت بعده دروس الإباء أخت الإمام الحسين السيدة الكريمة زينب بنت علي حين خطبت في دمشق في مواجهة القتلة والخانعين قائلة ‘’أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أطراف الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أن بنا هواناً على الله، وبك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظم خطرك، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلاناً فرحا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة..؟ ‘’فمهلاً مهلا، أنسيت قول الله تعالى: (ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين)’’.
إن الدروس الخالدة التي تركتها واقعة الطف جد عظيمة ومنهل خصب لثقافة المقاومة أمام كل هذا الضيم والظلم وإرجاف الخانعين والمستسلمين الذين يواصلون إحباط الناس وتيئيسهم ليصلوا إلى حالة الاستسلام والذل التي وصلت إليه الحكومات العربية. ثقافة المقاومة ورفض الذل، والإباء هي التي عطلت مشروع الولايات المتحدة وأفشلت مخططه في العراق بفضل المقاومة الوطنية الباسلة التي تفجرت بعد احتلال العراق وتذيق قوات الاحتلال مرارة الهزيمة، وأوقفت مسلسل التداعي في خط الممانعة. وتواصل الفشل بعد حرب يوليو/ تموز 2006 حينما أسقطت المقاومة اللبنانية الباسلة مشروع الشرق الأوسط الذي بشرت به رايس كنتاج -كما ادعت- للعدوان الصهيوني على أرض لبنان، والمقاومة الباسلة في غزة الصمود والإباء هي التي ستفشل مشروع تصفية القضية الفلسطينية تحت دعوى السلام.
في مقابل ذلك، ترى إلى أين ستقودنا حالة الاستسلام المزرية التي وصلتها الحكومات العربية، إنَّها لن تؤدي بنا إلا إلى مزيد من الخضوع والخنوع، وفقد المزيد من أراضينا، بل فقد كل أراضينا وأوطاننا؛ لأنَّ العدو مستمر في أطماعه التوسعية، وأصبحت أية حركة مقاومة تنشأ في فلسطين أو العراق أو لبنان تحاول أميركا وأعوانها إلصاق تهمة الإرهاب ووصفها بمنظمات إرهابية، وتفرض علينا عزلها عنا ونبذها، ووصف كل من يدعمها بأنهم مؤيدون للإرهاب، وذلك لعزل أية مقاومة للاحتلال عن تأييدنا ومؤازرتنا ومساندتنا لها، فهم يريدون فرض ثقافة الاستسلام والانصياع لما تمليه علينا ‘’إسرائيل’’ والولايات المتحدة الأميركية، فمنذ اتفاقية كامب ديفيد ومسلسل التنازلات عن الحقوق وإهدارها من قبل الحكومات العربية متواصل، حتى شهدنا دعوات التطبيع المجاني مع العدو الصهيوني، بل أصبح عجز الأنظمة عن مجرد النصرة فاضحاً. بل وأصبح تواطؤ الأنظمة العربية على حركات المقاومة ماثلاً للعيان. يشاهدون الذبح والقتل اليومي وسفك الدماء من دون أن يرف لمسؤول جفن أو يصحو له ضمير، فكل الجرائم التي ترتكب في غزة هاشم، والأنظمة العربية لا تريد عقد قمة تحت مختلف الحجج، بل وبعض الدول تحارب حتى خروج الناس في مسيرة أو اعتصام للتعبير عن غضبهم وحزنهم لما يجري في غزة والتعبير عن تضامنهم مع أهلها، حقاً إن من يهن يسهل الهوان عليه.
حقاً إن فلسطين لن تحررها الحكومات بل الجماهير العربية، وإن الصرخة التي تسمع اليوم من شعب غزة هاشم الأعزل، ترفض العيش بالذل والهوان والحصار، والقبول بالتضحية وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحرير الأراضي المحتلة من دنس الصهاينة، فمن يظن أن الانتصار هو بعدد القتلى وبحجم الدمار وبقوة الآلة العسكرية فهو مخطئ فها هو الحسين عليه السلام قد خاض معركة الطف، وانتهت باستشهاده مع أولاده وأبناء عمه وأنصاره، ولكن النصر نصره والعزة له، ورسالته خالدة خلود الأزل وذكراه في سجل الأبرار والخالدين والأباة، وأصبح سيد شباب أهل الجنة، وكل مقاوم هو حر في معسكر الحسين.
* كاتب بحريني – مسؤول الإعلام في التجمع القومي الديمقراطي
تواصلوا مع السلمان بتعليقاتكم وملاحظاتكم: j_alsalman@yahoo.com