مراجعة شاملة للقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن الصحافة والطباعة والنشر والتعديلات الجوهرية المقترحة بشأنه (1)
توصية بسيوني بالسماح للمعارضة بمجال أوسع في الإعلام لم تُنفذ
حسين محمد البحارنة
نقدم هذه المراجعة الشاملة لقانون الصحافة في ثلاثة أقسام، على عدة حلقات، نستهلُّها بهذه المقدمة الإضافية بشأن مدى دستورية هذا القانون.
1 – بمناسبة البيان الصادر من مجلسي النواب والشورى في الفترة السابقة لانعقاد دورتهما الثالثة الحالية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، بشأن إعطائهما أهمية في دورة المجلسين الحالية لمشروع قانون الصحافة والطباعة والنشر الذي سيُعطى أولوية للمراجعة والنقاش على جدول أعمالهما لهذه الدورة الحالية من الفصل التشريعي الثالث وذلك لغرض إصدار هذا المشروع الذي تأخر نقاشه وتأجيله لدى المجلسين خلال ثلاثة فصول تشريعية دون مبرر قانوني، يسرني أن أتقدم بهذه الدراسة النقدية لقانون الصحافة والطباعة والنشر الحالي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 والذي أثار كثيراً من الجدل القانوني والسياسي بين مختلف أطياف المجتمع البحريني، وخاصة الجسم الصحافي الذي نال عدد كبير من أفراده من الصحافيين والصحافيات كثيراً من الغبن وسوء المعاملة التي أدت إلى توقيف البعض منهم لعدة أشهر بدون محاكمات، وسجن البعض الآخر منهم نتيجة لاتهامات تتعلق بحرية الرأي والتعبير. كما فُصل عدد كبير منهم من القطاعين العام والخاص. ولايزال بعض الصحافيين والصحافيات في القطاع الخاص محرومين من الرجوع إلى صحفهم المحلية التي كانوا ينتمون إليها أو حتى الكتابة فيها. أما بعض أولئك الذين أرجعوا إلى وظائفهم السابقة في القطاع العام، فقد أرجعوا إلى وظائف ومسميات أدنى من وظائفهم السابقة، مع حرمان بعضهم من مستحقاتهم المالية. ولعل من المناسب ذكره في هذا المجال هو أن تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر بتاريخ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 – والذي أصبح وثيقة معترفاً بها محلياً ودولياً – تعرض في فصله العاشر إلى أوضاع الصحافة والصحافيين والادعاءات بشأن المضايقات والاعتقالات والفصل من العمل التي تعرض لها عدد كبير من الصحافيين الذين كانوا يغطون أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011. وتغطي فقرات هذا التقرير من 1629 وحتى 1640 النتائج التي خلصت إليها لجنة تقصي الحقائق في تقريرها المذكور بشأن ما لاقاه الصحافيون والصحافيات على أيدي رجال الأمن وجهاز الإعلام الرسمي. كما تكشف هذه النتائج عن المعاملات السيئة وكذلك حقيقة التهم القاسية التي وجهت إلى عدد كبير من الصحافيين والمصورين والمدونين وغيرهم من الإعلاميين الخاضعين لأحكام قانون الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002. وتؤكد الفقرة 1634 من هذا التقرير المعاملة القاسية التي لاقاها الصحافيون على أيدي السلطات الأمنية بنصها التالي: «اتهم عدد كبير من الصحافيين بالمشاركة في تجمعات غير مرخص بها عندما كانوا يغطون الأحداث». وخلال شهري فبراير ومارس 2011، حاولت السلطات تقييد حرية التعبير والرأي لدى الصحافيين والمدونيين وغيرهم من الإعلاميين البحرينيين. «وقد أدت هذه الحملة إلى الفصل من العمل وفرض الرقابة على المقالات والقيام بعمليات قبض وتوقيف للصحافيين، بل وإلى إساءة المعاملة في بعض الحالات أثناء التوقيف. وقد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج من خلال هذا العدد من عمليات القبض على الصحافيين والإفادات التي قدمها هؤلاء الصحافيون منفردين إلى اللجنة». ثم جاء نص الفقرة 1640 من هذا التقرير كما يلي: «ومن الجلي أن وسائل الإعلام البحرينية كانت منحازة إلى حكومة البحرين. فستة من الصحف اليومية السبعة تعد صحفاً موالية للحكومة، كما تسيطر الدولة على خدمات البث الإعلامي. فاستمرار التقاعس في إعطاء جماعات المعارضة مجالاً كافياً في وسائل الإعلام الوطنية تنذر بمزيد من مخاطر الانقسام السياسي والعرقي في البحرين…».
ولاشك أن مشاركة هؤلاء الصحافيين والصحافيات في الاحتجاجات السلمية أثناء الأحداث المحزنة التي جرت بعد 14 فبراير ومارس2011، أو رصدهم لها أو تصويرها، أو الكتابة عنها أو نشرها، هو أمر مشروع قانوناً وفقاً لما يؤكده ذلك هذا التقرير في بعض فقراته المتعلقة بالتهم التي وجهت للصحافيين وغيرهم من الأشخاص على أساس ممارستهم لحرية الرأي والتعبير. كذلك يؤكد نص المادة 24 من الدستور على أن «تكون حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون». كما أن حرية الرأي والتعبير هي أيضاً مكفولة وفقاً للمادة 23 من الدستور، وكذلك وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان الدولية المقررة في العهد الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي انضمت إليها مملكة البحرين.
ونتيجة لرصد التقرير المذكور – تحت فصله العاشر (من صفحة 494 وحتى صفحة 508) – لمختلف الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تعرض لها الصحافيون والصحافيات على أيدي القوات الأمنية، فإن اللجنة الحقوقية المكلفة بوضع هذا التقرير، توصلت إلى وضع التوصية التالية المبينة في الفقرة رقم 1641 من التقرير: «توصي اللجنة حكومة البحرين بأن تتبنى نهجاً أكثر مرونة في ممارستها للرقابة وأن تسمح للمعارضة بمجال أوسع في البث التلفزيوني والإذاعي ووسائل الإعلام المطبوعة».
ولاتزال هذه التوصية من تقرير لجنة تقصي الحقائق لم تنفذ بعد من قبل الحكومة. ذلك أن الدولة لاتزال «تسيطر على خدمات البث الإعلامي»، كما أن «جماعات المعارضة السياسية» لاتزال محرومة من الوصول إلى «وسائل الإعلام الوطنية»، كما جاء في التوصية المبينة في الفقرة 1641 من التقرير المذكور.
2 – ولكن على رغم إشارتنا السابقة إلى نص المادة 24 من الدستور الذي يتضمن بأن تكون هذه الكفالة لحرية التعبير مقيدة «بالشروط والأوضاع التي يبينها القانون» إلا أننا يجب أن نعترض على هذه الجملة الأخيرة من هذه المادة على أساس أنها تنطوي على ثغرة ينفذ منها إلى إمكانية تقييد ممارسة حرية الرأي والتعبير عن طريق القانون، وهو في هذه الحالة قانون الصحافة والطباعة والنشر. وعليه، فإن هذا النص الأخير من هذه المادة قد أسيء استعماله والتوسع في إنفاذه وتطبيقه على أرض الواقع من قبل المسئولين عن تنفيذ قانون الصحافة والطباعة والنشر لسنة 2002 وذلك في مواجهة رؤساء تحرير الصحف والصحافيين عموماً. ذلك أن المقصود من هذا النص عند تطبيقه هو ألا يتجاوز تطبيقه حالات التنظيم لطريقة مزاولة هذا الحق الخاص بحرية الرأي والتعبير بالنسبة للصحافي، ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى تقييد أو تحديد مزاولة هذا الحق. وهذا ما تؤكده المادة 31 من الدستور التي تنص على أن «لا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية». ولاشك أن جوهر الحق يتعلق أساساً بحرية الرأي والتعبير التي لا يجوز تقييدها عند تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002، الصادر من السلطة التنفيذية وحدها، بل المطلوب عند تطبيق أحكام هذا القانون على الصحافي، هو ألا يتجاوز هذا التطبيق حالات تنظيم مزاولة الحق المتعلق بحرية الرأي والتعبير. ويوجد فرق كبير بين حالة التقييد لحرية الصحافي في نقل الخبر بحيادية تامة كما نقلته الوكالات الصحافية الدولية، الأمر الذي يصطدم بمبدأ جوهر الحق الذي تنص عليه المادة 31 من الدستور، وبين حالة التنظيم لممارسة هذه الحرية التي لا يجب أن تمس «جوهر الحق».
وعموماً، فإن كلاً من المادة 24 من الدستور والمادة 23 التي سبقتها بشأن كفالة الدولة لحرية الرأي والبحث العلمي «وحق الإنسان في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما…»، تتضمن أحكاماً كانت قد قننتها دساتير الدول العربية كافة. ولكن يؤاخذ على هذه الاحكام الدستورية للدول العربية أنها قيدت هذه النصوص، عن قصد، بالفقرة الأخيرة منها وهي الفقرة التي تقيد ممارسة حرية التعبير «بالشروط والأوضاع التي يبينها القانون». بينما كان المطلوب أن تستبدل في هذه الدساتير للدول العربية (بما في ذلك المادتان 24،23 من دستور سنة 2002) عبارة «وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون» بعبارة «وفقاً للشروط والأوضاع التي ينظمها القانون». إن هذا النص الأخير الضامن لممارسة حرية الرأي والتعبير، يحيل إلى القانون الصادر تطبيقاً للنص الدستوري، سلطة تنظيمية فقط لممارسة حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي لا يصطدم مع جوهر الحق المبين في المادة 31 من الدستور. أما النص الدستوري للمادتين 24،23 من الدستور، فإنه يعطي للقانون الذي تصدره الدولة، تطبيقاً لهاتين المادتين من الدستور، أولوية في التطبيق على أرض الواقع، متناسية الدولة بذلك، النص الدستوري المهم المبين في المادة 31 من الدستور التي تضع التزاماً مهماً على الدولة – وبصرف النظر عن طريقة صياغة المادتين 24،23 من الدستور – بنصها على أن «لا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد (الصادر بموجب القانون) من جوهر الحق أو الحرية». وبالتالي، تعول الدولة (غير الملتزمة بالمبادئ الديمقرطية) وتعتمد كلياً على تطبيق القانون المقيد لحرية الرأي والتعبير الذي أصدرته – وبخاصة في حالة غياب السلطة التشريعية – متناسية بذلك النص الدستوري الأهم للمادة 31 من الدستور التي تحرم على الدولة المساس بجوهر الحق أو الحرية عند تطبيقها وإنفاذها للقوانين عموماً.
3 – ولكن قد يقول البعض إنه يمكن اللجوء إلى المحكمة الدستورية للطعن موضوعياً على القانون الذي يقيد حرية الرأي والتعبير للصحافي – أو لأي فرد آخر مارس هذا الحق – وذلك لغرض أن يصدر حكم هذه المحكمة بإلغاء النص القانوني المخالف للنص الدستوري المتعلق بحرية الرأي والتعبير. ولكن هذا الإجراء ولاشك – كما هو واقع الحال – سيأخذ مدة طويلة من الزمن، نظراً لأن اللجوء إلى المحكمة الدستورية لا يكون إلاّ عن طريق قضية مرفوعة أمام المحاكم العادية حيث لا يجوز اللجوء مباشرة إلى المحكمة الدستورية من قبل الأفراد أو المؤسسات. ذلك أن المرسوم بقانون رقم (27) بشأن إنشاء المحكمة الدستورية لسنة 2002 قيد لجوء الأفراد والمؤسسات إلى المحكمة الدستورية مباشرة حين قرر أنه لا يتم الطعن ضد القوانين أو اللوائح أمام هذه المحكمة إلا عن طريق قضية مرفوعة أمام المحاكم العادية وذلك خلافاً للنص الدستوري في المادة 106 من الدستور التي تنص على أن «يكفل القانون حق كل من الحكومة ومجلس الشورى ومجلس النواب وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم في الطعن لدى المحكمة في دستورية القوانين واللوائح». ويبين من هذا النص الدستوري أن للأفراد وغيرهم حق الطعن في دستورية القوانين واللوائح أمام المحكمة الدستورية مباشرة وذلك دون تقييد حق اللجوء إلى هذه المحكمة بنص قانوني (يتضمنه القانون رقم (27) لسنة 2002) يلزم الأفراد والمؤسسات بألا يتم الطعن الدستوري في القوانين واللوائح إلا عن طريق قضايا مرفوعة أمام المحاكم العادية. (يتبع).