منصور الجمري
في الأيَّام الماضية استنفرت أطراف مختلفة ومعروفة إمكاناتها، معلنة الخطر المحدق من «احتمال» وجود تسوية مَّا للأزمة التي نمرُّ بها في البحرين منذ مطلع العام 2011، والحديث في الفراغ أفسح المجال لهؤلاء لاختلاق القصص والأقاويل والخرافات. مهما يكن، فإنَّ ما هو متوافر على الأرض لم يتغيَّر كثيراً، ولربما تشهد هذه الفترة تحرك الأجواء نظراً إلى انتهاء فترة البرلمان الحاليَّة، والاستعداد للمرحلة المقبلة.
ممَّا لا شك فيه، أنَّ استمرار الوضع على ما هو عليه، أصبح يثقل كاهل البلاد سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وعدد من ملفَّات المنطقة المقلقة بدأت تتجه إلى الحلحلة، وهذا يعني أنَّ البحرين بحاجة إلى خطوة حقيقيَّة تجاه الحل. وهذا يفسِّر الجوَّ المحموم الذي ربما يستهدف الضَّغط على من يحمل مطالب عادلة ومشروعة، من خلال التذكير بأنَّ حتى الخطوات الصغيرة جدّاً مرفوضة من الجهات التي تمكَّنت من مفاصل عديدة، وهي ترى في العدالة الاجتماعية ضرراً مباشراً على مصالحها الأنانيَّة، وترى في انعتاق الأجواء السِّياسيَّة انكشافاً لواقعهم غير المشرِّف.
إنَّ التنمية السِّياسيَّة في أي بلد لا تتمُّ إلا من خلال المشاركة السِّياسيَّة الكاملة لجميع المكونات المجتمعيَّة والاتجاهات السِّياسيَّة، وهذا الركن الأساسي في العمل الوطني لا يمكن تخطِّيه مهما حاول البعض ذلك. فالمشاركة السِّياسيَّة تعني التَّفاعل المستمر الذي يكتسب من خلاله النِّظام السياسيُّ استقراره وقدرته على التكيُّف مع الأوضاع. أمَّا في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فإنَّه سيوجب مضاعفة عدد المعتقلين إلى أكثر من المستوى الحالي بكثير، وسيعني المزيد من الضحايا والمنفيين والمهاجرين، وسيعني استمرار السِّجالات في المحافل الدَّولية، وسيعني الحاجة إلى قوات أكثر، ومحاكمات أكثر، واستعدادات أكبر بكثير لإدارة الصِّراع المكلف جدّاً.
لنتصور لو أنَّ كل هذه الجهود والإمكانات توجَّهت في اتجاه آخر، فسنجد أنَّ التَّوتُّر السَّلبيَّ والتَّجاذبات المنهكة ستنقلب إلى تضافر الجهود الإيجابيَّة نحو التَّنمية، ونحو تطوير النِّظام السِّياسيِّ للحفاظ على سيادة ومكانة وسمعة البلاد… ولعلَّ ما نحتاج إليه هو أفكار جديدة؛ لأنَّ استمرار الحال من المحال، وأنَّ المستقبل الآمن يحتاج إلى رؤية جامعة تبتعد عن التَّهويل الذي يمتهنه من لا يرى لنفسه مكاناً في بيئة عادلة.