لا أحد صدق أن الاعتداء الذي وقع علي نقيب المهندسين والنائب في البرلمان
الأسبق ليث شبيلات كان طوشة، لأكثر من حيثية أوردتها بما يشبه الإجماع مئات
التعليقات علي المواقع الإلكترونية الأردنية .
هذا الحدث اختارت الجزيرة ، درءا لتهم بحقها جاهزة، أن تقرأه عربيا ضمن رفض
الأنظمة العربية التام لأية معارضة والتعامل معها بالقمع المعنوي والجسدي.
مع ان هذا القمع أصبح بدهية لدرجة انه لا يقرأ فيما وراء الخبر، بل تتوجب
قراءته في مقدمة الخبر كما يقدم لأخبار الإصابات الجديدة بانفلونزا الخنازير..
وكل ما خلص له البرنامج هو أن "البلطجة " دخلت قاموس السياسة لتوصف سياسات
عربية رسمية، بعد ان كانت حصراعلي ممارسات فئة في المجتمع مدانة من كل أطيافه..
ولكن تلك الحادثة التي أتت في ظرف دقيق لكون الأردن يمر في مرحلة مفصلية تتداخل
وتتفاعل فيها قضايا عدة بصورة تجعل ناتج التفاعل أكثر سخونة من كل المكونات
منفردة ، بل ومرشح للانفجار كما عبر ليث نفسه باستعماله تعبير " قنبلة موقوتة
".. هذه الحادثة يجب أن تقرأ ضمن ما تنتسب له حقيقة من قضايا خلاف بين
المعارضة والسلطة السياسية ، ومدي تأثير القضايا المعنية، وليس المزعومة،علي
نزع فتيل القنابل المزروعة أو إشعاله .
وباستعراض مجمل المواقف الحكومية من ذلك الحدث ، والتي تؤشرعلي وجود او انتفاء
دور رسمي فيه ، نستطيع أن نقول ابتداء أن تلك المواقف تفيد أحد امرين : إما جهل
تام وعدم أهلية مدقع لتولي المسؤولية في هذا الظرف المصيري الحرج ، أو تعمد
إثارة فوضي أو تعظيمها للتغطية علي ممارسات مصلحية خاصة لا تأخذ بعين الاعتبار
ما يتم التضحية به من مصلحة وطنية .. أو كلاهما معا كون كل ما تفعله الحكومة
يتسم بإخراج رديء لا يمر علي أطفال روضة كما أجمع الشارع الأردني.
أول تصريحين رسميين جاءا من مسؤولين حكوميين في الأمن والإعلام، تحركا في آن
واحد، ليخلصا لنتيجة واحدة تقفز عن ثوابت وضوابط كل من الحقلين المتباعدين
وتناقض بدهياتهما. فلا يوجد إعلامي لا يتساءل عن الأسباب السياسية حين يجري
اعتداء علي أحد ابرز سياسي البلد.. كما لا يجوز لأصغر رجل شرطة أن لا يعتبر
الخصومة السياسية كمسبب أول ورئيس لا يجوز استثناؤه ولو أثناء البحث عن اي مسبب
آخر لأي اعتداء يقع علي سياسي بارز، خاصة وان الجناة لم يتم القبض عليهم بعد
ولم يوضحوا اسباب ما قاموا به.
وكان يلزم ،علي الأقل، استسماح المواطنين والصحافة لبعض الوقت قبل إصدار
الناطقين ، الإعلامي والأمني ، حكمهما الموحد كزي رسمي.. وقت يكفي للإيحاء
بأنهما استكملا التحقيقات اللازمة لتبرير ذلك الحكم.
وفي البحث المعمم عن أسباب عربية فيما وراء الخبر علي قناة الجزيرة، يستوقفنا
ما قاله الصحفي الأردني الذي اختير لكونه محسوبا علي الحكومة بدليل كل ما يكتبه
وكل ما يكسبه .
ما قاله هذا الناطق شبه الرسمي، هو نفيه أن يكون شبيلات جري الاعتداء عليه
لأنه ظهر في برنامج للجزيرة عن اتفاقية وادي عربة ، قائلا أن خمسة سياسيين
أردنيين ظهروا في ذلك البرنامج ولم يتعرض أي منهم لأية ملاحقة .. وهو حديث
غريب ، كون ليث نفسه لم يذكر معارضة وادي عربة كسبب للاعتداء . وإذا كانت
البرامج الفضائية تلتقي بالقيادات، فإن أي صحيفة أو فضائية تستوقف أي مواطن في
الشارع الأردني تسمع منه كلاما مماثلا عن الاتفاقية ومطالبة مماثلة بإلغائها،
ولم تجر ملاحقة أو ضرب هؤلاء الذين لا يشكل ضربهم خبرا دوليا ، ويمكن زعم أنه
نتيبجة شجار حتي لو
قتلوا فيه.
وفي الأيام الأخيرة، ومع توتر العلاقة بين الأردن الرسمي وإسرائيل، وتصعيد
الملك للهجته في الحديث عن الحكومة الإسرائيلية ، فإن حاجة القصر تحديدا لمواقف
شعبية رافضة للاتفاقية تزداد، لتوفرغطاء للموقف الرسمي وتخفف عنه ما
يسمي"بالضغوط الدولية.
ما قاله شبيلات نفسه عن السبب وراء الاعتداء عليه ، هو المحاضرة التي ألقاها
مؤخرا في رابطة الكتاب وطالب فيها بوقف تسجيل أراضي الدولة باسم الملك، وهو ما
ابتدعته حكومة أبو الراغب وأسماه شبيلات في حديثه لبرنامج زيارة خاصة من علي
منبر الجزيرة بزرع قنبلة قد تتفجر في أي وقت.. وطالب مجددا بمحاسبة تلك
الحكومة والمسؤولين في الديوان الملكي.. وقال إنه قبل سبع سنوات ، جري تكسير
سيارته لذات السبب وأنذر بأن التكسير التالي سيكون لرأسه..
ودون الخوض الاستطرادي في تفاصيل أحداث أخري جرت قبل سبع سنوات تثبت هذا،ومنها
اعتقالي، مما يعرفه كل السياسيين بل وعامة الناس في الأردن، ولنبقي في حدود
الحدث المستجد .. نجد أن نفي الصحفي حكومي الولاء، لسبب لم يزعمه المشتكي
ابتداء ، هو محاولة لصرف النظر عن السبب الفعلي والإيحاء بان الموقف من
المعاهدة هو سبب الاعتداء علي شبيلات.. وهو من جهة طلب غض نظر من الجهات
الدولية عن فضيحة التعرض لقادة المعارضة بهذه الأساليب، واسترضاء مباشر
لإسرائيل يقوم به الصحفي الذي أصبح ناطقا رسميا غير معلن بسبب كونه أول
المطبعين في الجسم الصحفي.. ومن جهة
أخري هو توريط آخر أخطر ، ليس للديوان الملكي كدائرة رسمية كما فعل ليث، بل
للملك شخصيا ومباشرة – وهذا ما أصبح مسؤولون طموحون يتعمدونه في أكثر من شأن –
بالإيحاء بأنه في حين يشدد اللهجة عند حديثه العلني مع أو عن إسرائيل ، يجري
الاعتداء علي المعارضة بهذه الطرق لفعلها الشيء ذاته. ويأتي هذا في مرحلة مثقلة
بتصريحات إسرائيلية متكررة لتفاصيل خطط ، وحتي شروع في إجراءات ، تهدد وجود
الأردن ذاته .
القضية بالأساس كانت فسادا منفلت العيار لحكومة،غطت نفسها بتسريب وثائق تمس
غيرها اتبعتها بشهادات علي لسان كبار مسؤوليها لم توجه فقط لأسماع الشعب وتسلم
باليد للمعارضة ، بل جري التوسع فيها حتي خارج حدود الوطن.. حيثما توجد مكاسب
مالية تساوي المجازفة.
ومرت المجازفات بسلام بتواطؤ السكوت مع الإسكات مع ما لا نعلم .. فتحقق ارتهان
الحكومات التي تلت لمصالح سابقتها الموطّنة للفساد والمحصّنة له. وارتهنت أيضا
مجالس نيابة زورت كلها، مما سهل واستكمل ارتهان كافة المؤسسات المفصلية لعرابي
تلك الحقبة بحيث أتيح لهم ان ينفردوا بالحكم حتي وهم خارجه.
ولأول مرة في تاريخ المملكة أصبح الحديث المباح، لضروررات تذكير الأردنيين أبن
يجب أن يقدموا ولاءهم، عن "مراكزقوي" لا ذكر لها لا في الدستور ولا وزن في
الشارع، تدير كامل المشهد السياسي والاقتصادي..وتأكد تحالف هذه المجموعة
المغلقة التي أشرنا لها في مقالتنا "وضع غير مسبوق "علي موقع " الجزيرة نت "،
بحيث أصبحت الإشارة لهم تتم بمسمي " نادي الحكم " فيعرف الشعب من هم
المقصودون ، ويؤشرعليهم ملايين الأردنيين المجوعين بفعل فساد صلف لم يعد يقبل
حتي التغطي بذريعة سياسات خاطئة !!
والآن ،هذا كله يجري والحكومة تعلن عجزها وإفلاس خزينتها، والناس علي أعتاب
شتاء أوصلنا له هؤلاء بلا مؤونة وبلا ما يرد البرد أو يفي كلفة تعلم الأبناء ..
تضاف كلها لتهديدات خارجية بأننا قد نجرد أيضا من وطن لا نريد الهجرة منه، ولكن
حتي إن اردنا استحال علينا ذلك لأن المنطقة مزدحمة بالمهجرين ومشاريع المهجرين
والعالم أقفل أبوابه.. هي مواجهة نكون أو لا نكون بحرفيته وبما يتجاوز فلسفة
هاملت، إلي الوجود السياسي نزولا للوجود البيولوجي لقوم يدركون أن إبادتهم
جماعيا أصبحت " وجهة نظر" تحسم بالتصويت .
وليث شيبلات واحد ممن يرفضون تقديم الولاء لمراكز القوي ونادي الحكم ، وكعادته
التي لم يتركها رغم تكرار اعتقاله، ما زال يخاطب القصر ويأمل .. وتلك جريمته
التي لأجلها ضرب ثم اتهم بأنه يخوض مشاجرات شوارع .. ليس علي أمل أن يصدق
الشعب هذا، فالخطاب ليس للشعب.. هو تلويح يفيد:
هي إما هذه التهمة،أو يقال الآن تحديدا أن ليث استهدف لأنه معارض لوادي عربة
..أو أن الحكومة التي لا تنفك تزعم انها تعمل بهدي مقولة الملك بأن "الحرية
الصحفية وحرية الرأي سقفها السماء"، تعتبر خطاب ليث خرقا للسماوات السبع..
وصولا للعرش!
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.