هاني الفردان
أخلت النيابة العامة يوم الجمعة سبيل المعتقلة منيرة سيدحبيب بعد التحقيق معها، وذلك بضمان محل إقامتها. وقررت إعادة جميع الحاجيات التي صودرت عند القبض عليها.
اتهمت منيرة بالتجمهر ومراقبة الطريق للمتجمهرين، بحسب محاميتها شهزلان خميس.
القضية «جنحة»، تطلبت المداهمة فجراً للمنزل، وترويع عائلة بأكملها، ومصادرة «سيارتين مع وثائقهما، وهما الوحيدتان اللتان في المنزل، 3 أجهزة كمبيوتر نوع (لاب توب) حجم كبير والآخر صغير، 3 كاميرات ديجيتال وكاميرا فيديو، أشرطة كاميرات الفيديو التي تتضمن المناسبات العائلية وغيرها من هذه المناسبات، صندوق كبير به عدد كبير من الأقراص المدمجة وجميعها شخصية، جهاز كمبيوتر ثابت، 4 فلاش ميموري تتضمن أعمال بحوث للجامعة تخص شقيقة منيرة».
والسؤال البسيط، هل قضية تجمهر تحتاج لكل هذه الإجراءات، من مداهمة ليلية، ومحاصرة منزل، وترويع عائلة، ومصادرة كل هذه الأمور بما فيها ثلاث سيارات وأجهزة إلكترونية؟ ما دخل كل ذلك في التهمة الموجهة إلى منيرة من المشاركة في «تجمهر»؟
هل تحتاج عملية استرداد كل تلك الأمور المصادر إلى مخاطبة النائب العام، لتبين فداحة الموقف، من انتهاك لحرمة المنزل وأمنه والاستيلاء على ممتلكاتهم الشخصية من دون إذن قانوني ومن دون مبرر، من أي نوع، يستدعي كل ذلك، وهو ما يتضمن مخالفات للقواعد القانونية؟!
أليس من حقنا الآن أن نسأل من جديد، ماذا تغير، قبل تقرير لجنة تقصي الحقائق، وبعدها؟ وقد أفرد التقرير، مساحة عنونها بـ «نهب الممتلكات»؛ إذ تلقت اللجنة شكاوى تفيد بأن أفراداً من قوات الأمن قاموا بنهب ممتلكات من داخل المنازل في مَعْرِض عمليات القبض، حيث تضمنت الأغراض المنهوبة أجهزة إلكترونية مثل الهواتف المحمولة والحواسيب المكتبية والمحمولة، وكذلك بعض المتعلقات الشخصية كالحلي والعطور والأموال. وقد أخبرت وزارة الداخلية محققي اللجنة بأنه تم تحريز هذه الأجهزة الإلكترونية باعتبارها أدلة ضد الأشخاص المقبوض عليهم.
اللجنة خلصت في تقريرها وبالتحديد، في البند (1178) إلى أن «عمليات القبض الموسعة التي تمت بناء على النمط الموصوف عاليه تعد انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك للقانون البحريني. وعلى وجه الخصوص، قامت قوات الأمن بإجراء عمليات القبض دونما إبراز أوامر قبض أو تفتيش».
وكذلك، خلصت اللجنة إلى أنه «في العديد من الحالات شكّل أسلوب القيام بعمليات القبض استخداماً مفرطاً للقوة، صاحَبه سلوك مثير للرعب قامت به قوات الأمن، بالإضافة إلى التسبب في إتلاف غير ضروري للممتلكات، وكل هذا في مجمله يعكس إخفاقاً في اتباع الإجراءات الملائمة التي زعم كل من وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني أمام محققي اللجنة أنهما قاما باتباعها».
وفيما يتعلق بمصادرة المتعلقات أثناء عمليات القبض، قال التقرير إن «الجهات الرسمية لم تقدم أي سجلات بالممتلكات المصادرة. وكذلك، لم يتم إخطار محققي اللجنة بأي تحقيقات بدأتها الجهات المذكورة المشاركة في هذا النوع من عمليات القبض بناء على الشكاوى التي قدمها الأشخاص المقبوض عليهم أو أفراد أسرهم، الأمر الذي يمثل نمطاً من عدم الاكتراث بالانتهاكات التي حدثت لأي إجراءات قد تكون موجودة، وكذلك عدم الاعتداد بقواعد القانون البحريني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والمتعلقة بضمان نزاهة وسلامة سير عمليات القبض».
ما الذي تغير بعد عام كامل من صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق؟ فلازالت المداهمات تحدث فجراً، ولازالت عملية الترويع مستمرة، وكذلك إتلاف ومصادرة الممتلكات، أو «نهبها» كما أورد التقرير بشكل واضح وصريح.
كيف نفسر، مصادرة ثلاث سيارات وأجهزة إلكترونية وممتلكات شخصية، في قضية «تجمهر»؟ وهل يمكن للعقل أن يقبل بأن تكون هذه الأمور المصادرة أدلة ضد الأشخاص المقبوض عليهم؟! وإذا كانت كذلك، لماذا أمرت النيابة العامة بعد يوم واحد بإرجاعها؟ أم أنها اكتشفت أن الجهات الأمنية التي قامت بالمداهمة والمصادرة، لم تلتزم بالإجراءات القانونية الصحيحة؟
لجنة تقصي الحقائق أوضحت بشكل لم يدع مجالاً للشك، أن ما حدث خلال عمليات القبض يشير إلى وجود «نمط سلوكي منهجي بأن هذا هو أسلوب تدريب هذه القوات الأمنية وأن هذه هي الطريقة التي من المفترض أن يعملوا بها، وأن هذه الأحداث لم تكن لتحدث دون علم الرتب الأعلى في تسلسل القيادة داخل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني».
وقال التقرير في البند (1180) إن ذلك «يشكل الإخفاق في إجراء تحقيق فعال في هذه الممارسات، والفشل في اتخاذ التدابير الوقائية الملائمة لمنع الانتهاكات من جانب قوات الأمن، أساساً لتحمل القيادات العليا للمسئولية».
المشاهد ذاتها تتكرر، وبعد حديث السلطة عن تنفيذ كل توصيات «بسيوني» وتدريب الأجهزة الأمنية على احترام حقوق الإنسان وتعهد الجهات الرسمية بعدم تكرار ذات المواقف، فلازالت المداهمات مستمرة، وترويع الناس فجراً، وإتلاف ومصادرة الممتلكات.
ببساطة، لن تتغير الأمور؛ لأن تقرير بسيوني وضع النقاط على الحروف، وأوضحها في بندٍ ثابت وصريح، وهي أن المسئولية تتحملها القيادات العليا، التي لازالت باقية في مكانها حتى يومنا هذا، وهي ذاتها التي عملت من قبل على منهجة سلوك قوات الأمن، وما لم تتغير هذه القيادات سيبقى ذات السلوك، لن يتغير حتى لو مضى على التقرير مئة عام، وشُكلت لتنفيذه ومتابعة تنفيذ توصياته 100 لجنة.