هاني الفردان
السلطة تفتخر بتطبيق توصيات تقرير تقصي الحقائق بالكامل، وأنه تم الانتهاء منها وبالخصوص الأمور المتعلقة بتدريب وإعادة تأهيل قوات الأمن.
نعيش هذه الأيام حصاراً من نوع آخر على منطقة مهزة في جزيرة سترة، فلا تمر ليلةٌ على أهالي تلك المنطقة من دون أن نسمع عن مداهمات وتكسير وتخريب للممتلكات الخاصة، وتنكيل واعتقالات، ولأسباب يجهلها الجميع.
كنا نعتقد أن المسألة في بادئ الأمر مرتبطةٌ بحريق مستودع السيارات الذي شهدته المنطقة، والذي لازمه إعلان رسمي حكومي عن قيام إحدى وحدات الحرس الوطني صباح (10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) بالمحافظة الوسطى بتأمين وحماية بعض الممتلكات العامة والخاصة.
مرّ 18 يوماً بالتمام والكمال على ما تشهده تلك المنطقة من مداهمات ليلية، لايزال سرّها لا يعلمه إلا الله، وخصوصاً أن وزارة الداخلية أعلنت في 20 نوفمبر 2012 عن إلقائها القبض على عدد من المتهمين بإشعال الحريق في مستودع للسيارات، تابع لوكالة هيونداي في منطقة سترة، والذي وقع فجر السابع من نوفمبر 2012.
ما شهدته منطقة مهزة في سترة خلال الأيام الماضية، يعيد المشهد ذاته الذي وصفه تقرير لجنة تقصي الحقائق عندما تناول موضوع «أسلوب تنفيذ عملية القبض» في الفترة ما بين 21 مارس/ آذار و15 ابريل/ نيسان 2011، إذ أكد التقرير في البند (1172) أن «قوات الأمن البحرينية قامت بشكل منهجي باقتحام المنازل للقبض على بعض الأفراد، الأمر الذي أدى إلى ترويع ساكني هذه المنازل، حيث قامت قوات الأمن بشكل متعمد بتحطيم الأبواب واقتحام المنازل عنوةً وفي بعض الأحيان سلبها. كذلك، هناك مزاعم بأن هذا السلوك قد صاحبه سباب وإهانات لفظية طائفية، وفي أحيان كثيرة على مرأىً ومسمعٍ من النساء والأطفال وأفراد الأسرة».
هذا الحديث نجده يتكرر حالياً، وخصوصاً أن الأهالي يشكون من المعاملة ذاتها، والتصرف ذاته، والطرق المستخدمة ذاتها، دون تغيير عما هو في السابق، فلا فرق سواءً كان قبل تقرير تقصي الحقائق أو بعده.
المشهد يعيد نفسه من جديد، والمواقف تتكرر، وقد تتكرر أيضاً التبريرات، فقد ذكر «تقرير بسيوني» في البند (1173) أنه «عند سؤال وزارة الداخلية عن دورها في عمليات القبض هذه، أكدت أنها كانت فقط تساعد جهاز الأمن الوطني، وأنه ليس ثمة عملية مشتركة تم تنفيذها، إلا أن إفادات الشهود التي وردت لمحققي اللجنة أشارت إلى أن وزارة الداخلية شاركت بالفعل في هذه المداهمات».
روايات الأهالي المتكررة والتي نشرتها «الوسط»، كانت تؤكد أن المداهمات وعمليات التكسير الحاصلة الآن في منطقة مهزة يقوم بها «مدنيون وملثمون» ربما يمكن أن نصفه بحسب توصيف الجهات الأمنية المعتادة ضمن إطار مفردة «الجماعات» التي ترافقهم قوات حفظ النظام في أغلب الأحيان.
في فترة السلامة الوطنية، كانت معظم عمليات القبض تستند على المرسوم الملكي رقم (18) لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية، وقد اعتبر بسيوني ورفاقه هذا النوع من القبض «اعتقالاً تعسفياً» بمقتضى المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.
تقرير لجنة تقصي الحقائق خلص إلى أنه «في جميع حالات الضبط والتفتيش والمصادرة العَرَضية من المقار السكنية (في فترة السلامة الوطنية)، لم يتم قط إبراز أمر توقيف أو تفتيش للشخص المقبوض عليه أو الذي تم تفتيش مقر سكنه». وهو المشهد ذاته حالياً، فلم نسمع أن الجهات الأمنية أبرزت في يوم من الأيام مذكرات قبض، خلال مداهماتها فجراً للمنازل.
لجنة تقصي الحقائق خلصت في (البند 1178) إلى أن «عمليات القبض الموسعة التي تمت بناء على النمط الموصوف سابقاً يعد انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك للقانون البحريني. وعلى وجه الخصوص، قامت قوات الأمن بإجراء عمليات القبض دونما إبراز أوامر قبض أو تفتيش».
وخلصت اللجنة أيضاً إلى أنه «في العديد من الحالات شكل أسلوب القيام بعمليات القبض استخداماً مفرطاً للقوة، صاحَبه سلوك مثير للرعب قامت به قوات الأمن، بالإضافة إلى التسبب في إتلافٍ غير ضروري للممتلكات، وكل هذا في مجمله يعكس إخفاقاً في اتباع الإجراءات الملائمة (…)».
هذا هو توصيف لجنة بسيوني لما شهدناه خلال فترة السلامة الوطنية، وهو التوصيف ذاته الذي يعيد ذكره من جديد أهالي منطقة مهزة بجزيرة سترة منذ 18 يوماً، وتثبته الشهادات والصور الواردة من هناك من مداهمات، وعمليات تكسير وتخريب للممتلكات واعتقالات واهانات.
سيخرج البعض ليكذب تلك الشهادات، ليعيد من جديد السيناريو السابق ذاته عندما كذبوا كل تلك الحقائق التي أثبتها بسيوني ورفاقه بعد ذلك، وسيكذبون أيضاً الشهادات الحالية.
المشكلة هو أن وصف «تقرير بسيوني» بأنه «موجع للحكومة» لم يجد، واعتباره «الدواء المر» (وهو توصيف رسمي أطلق مباشرة بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق) لم ينفع أيضاً، فلا الضربة الموجعة أدت لإفاقة حقيقية، ولا «الدواء المر» عالج الداء في مثل هذه الحالات المتكررة… قبل «بسيوني» وبعده.