منصور الجمري
أعتقد أن القبول بتقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (تقرير بسيوني) في (23 نوفمبر / تشرين الثاني 2011) كان «نافذة الحل» التي فُتحت بشكل لائق جدّاً، وحصلت البحرين، بسببه، على سمعة عالية في المحافل الدولية؛ لأنها أول دولة في العالم، تقبل بتشكيل لجنة دولية من ذاتها، ولم تنتظر أن يُفرض عليها ذلك من هيئة دولية.
تقرير بسيوني كان يهدف إلى معالجة الجانب الحقوقي من الأزمة التي انفجرت مطلع العام 2011، ويفسح المجال للانطلاق في معالجة الشقِّ السياسي، بما في ذلك الوصول إلى تسوية تجمع كل البحرينيين في إطار غير منقسم وغير متوتر، وهذا بحدِّ ذاته سيؤسس لمصالحة وطنية شاملة تعالج آثار الأزمة.
لكن مع الأسف، فإن تلك الفرصة التاريخية ربما أصبحت الآن «نافذة مغلقة»، فبدلاً من معالجة الجروح، وجدنا أنَّ الإجراءات القاسية والمخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان نُفِّذت على الأرض من أجل فرض الأمر الواقع المنقسم والمتوتر والمؤسس على الاتهامات والأوهام والأحقاد. جلسات الحوار التي بدأت في (10 فبراير/ شباط 2013) لم تتمكن من فتح أية نافذة، ورأينا أن الأوضاع ازدادت سوءاً، وأصبح الآن الكثير من التجاوزات التي تمسُّ الحقوق الأساسية جزءاً من الإجراءات المؤسسية التي يتباهى بها البعض.
مع اقتراب الذكرى الثانية لإطلاق تقرير بسيوني، فإنه يحدونا الأمل أن تنفتح «نافذة الحل» مرة أخرى، وهذا سيتطلب اتباع نهج أكثر واقعية لإنجاز تسوية سياسية تعالج جذور المشكلة. إنَّنا بحاجة إلى أن نتحدَّث مع بعضنا بعضاً، بدلاً من أن نتحدَّث عن بعضنا بعضاً… ففي قصة تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، قيل إن الشيخ شمس التبريزي (وهو الأستاذ الروحي للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي) دخل ذات مرة إلى مدرسة لأحد رجال الدين الذين يهاجمونه دائماً، لكن رجل الدين ذاك طلب من تلامذته إخراج شمس التبريزي من المدرسة؛ لأنه لا يتحدث إلى الزَّنادقة، فتوجّه إليه التبريزي وقال له: «تقول إنك لن تتكلم معي، فلماذا تتكلم عنِّي؟». آمل أن نخرج من المأزق الحالي إلى فضاء أرحب يتوافر لمن يتحدث إلى الآخرين، بدلاً من أن يتحدث عنهم.