أثار تحقيق نشرته صحيفة سويدية عن سوق لبيع وشراء الأطفال في العراق، ضجة كبيرة في السويد. فقد ذكر موقع "عراق الغد" الالكتروني أن صحفية سويدية وزميلا لها تخفيا في سيارة قديمة ليتابعان عن قرب سوق كبير لبيع الأطفال في وسط بغداد بالصورة والصوت. وكانت إحصاءات رسمية وتقارير منظمات دولية قد قدرت مؤخرا عدد أطفال العراق الأيتام حاليا بنحو 5 ملايين، يعيش معظمهم ظروفاً اجتماعية صعبة ومعقدة، تشمل الاعتقال في سجون الاحتلال الأمريكي والاغتصاب.
وأكد الصحفيان من خلال تقريرهما وجود سوق لبيع الأطفال الرضع والمراهقين "سوق النخاسة"، الأمر الذي أبكى القراء والمشاهدين من المجتمع السويدي لحظة نشره على الصحف والتلفاز السويدي. وعرض التليفزيون السويدي فتاة عراقية اسمها (زهراء) ذات الأربع أعوام تباع في وسط بغداد بمبلغ 500 دولار، وهو المبلغ الذي لا يساوي قيمة الزهور التي يضعها "الرئيس العراقي جلال الطلباني أو رئيس وزرائه نوري المالكي في واحد من مؤتمراتهم الصحفية"، حسب قول الموقع. وأضاف الصحفي وهو يشرح "أطفال العراق تباع في سوق النخاسة ونسائهم بغايا بالإكراه، وأحزاب تنهب ما فوق الأرض وتحتها".
ومن المتوقع أن تكون لهذه القضية تداعيات كثيرة على أفق مختلفة خلال الأيام القليلة القادمة، حيث أعلنت السويد فورا عن فتح الباب لاستقبال الأطفال العراقيين ممن يتعرضون لسوء المعاملة ومنحهم اللجوء مباشرة، ويحق للطفل بعد الإقامة لم شمل ولي أمره في محاولة لإنقاذ أطفال ونساء العراق. وكانت إحصاءات رسمية وتقارير منظمات دولية قدرت في وقت سابق عدد أطفال العراق الأيتام حاليا بنحو 5 ملايين، يعيش معظمهم ظروفاً اجتماعية صعبة ومعقدة، كما أن 30 في المائة من الذين لم تتعد أعمارهم سن 17 سنة في العراق لم يتمكنوا من أداء امتحاناتهم المدرسية النهائية، ولم تتجاوز نسبة الناجحين في الامتحانات الرسمية 40 في المائة من مجموع الطلبة الممتحنين داخل البلاد.
وتشير الإحصاءات التي نشرتها جريدة "الحياة" اللندنية إلى وجود أكثر من 1300 طفل في المعتقلات العراقية، وإلى أن عدد الأطفال النازحين في سن الدراسة الابتدائية يبلغ نحو 220 ألف طفل لم يستطع ثلثاهم مواصلة تعليمهم خلال عام 2007، فضلاً عن أن 760 ألف طفل لم يلتحقوا أصلاً بالمدارس الابتدائية، كما تعرض مئات الأطفال العراقيين للتحرش الجنسي والاغتصاب.
وبلغ المعدل الشهري للأطفال النازحين جراء أعمال العنف الطائفية والتهديدات من الميليشيات الطائفية 25 ألف طفل، تراوحت أوضاعهم بين التهجير الداخلي والهجرة إلى دول الجوار لذلك لم يأت قرار منظمة الأمومة والطفولة "يونيسيف" بجعل عام 2008 عاماً للطفل العراقي اعتباطاً، إذ لا يحتاج المرء إلى تأكيدات تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بأن الطفولة في العراق تحتضر وهي في طريقها إلى الموت. ويدل الواقع اليومي في العراق بوضوح على أن أطفال هذا البلد المنكوب يعانون أشرس ما يمكن أن يمر به طفل في عالم اليوم، فتداعيات الغزو الأميركي للعراق، ومشاهد القتل اليومي التي طالت الأطفال، والانفجارات والجثث المتناثرة ودوي القنابل والرصاص كلها عوامل تضاعف من مأزق أطفال بلاد الرافدين.
وينتشر الأطفال في شوارع بغداد، كما في المدن العراقية الأخرى، للتسول أو العمل في المهن الرثة أو التي تمثل انتهاكاً لطفولتهم. وعلى رغم تباين أسباب تشرد الأطفال إلا أنهم يشتركون في همّ واحد هو فقدانهم لممارسة حقوقهم كأطفال وما يتمتع به اقرأنهم في حالات ومواقع اجتماعية أخرى. وقال ممثل منظمة "يونيسيف" في العراق (روجر رايت) أن "حياة ملايين الأطفال مازالت مهددة بسبب العنف وسوء التغذية وقلة المياه الصالحة للشرب على رغم استمرار البرامج الموجهة لأطفال العراق التي يصل تمويلها إلى نحو مئة مليون دولار سنوياً". وأضاف إن "أطفال العراق أكثر أطفال العالم عرضة للأذى وتصعب حماية حقوقهم في نيل طفولة آمنة إذ ينشئون خارج نطاق جهود التنمية، وغالباً ما يكونون غير مرئيين في النقاشات والتشريعات العامة في البلاد وحتى في الإحصاءات والتقارير الإخبارية، مشيراً إلى أن "الوضع الأمني المتدهور يحول دون وصول فرق عمل المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني إلى مناطق عدة في العراق".
وتضمن التقرير السنوي الأخير لمنظمة "يونيسيف" حول وضع الأطفال في عام 2007، تفاصيل مهمة عن أطفال العراق. ويبحث التقرير محنة مئات ملايين الأطفال في العالم الذين يعانون الإساءة والاستغلال والتمييز، ودعت المنظمة في تقريرها هذا إلى صحوة عالمية تتمثل بالعمل على تسليط المزيد من الضوء على خلفية الوضع الذي يعيشه أطفال العراق وتخصيص سنة 2008 لدعم الأطفال في العراق وجعله في أولويات الاستثمار الدولي داخل البلاد.
ويقول مدير منظمة "أصوات الطفولة" عماد هادي: "لا احد يدري بأن هناك 11000 طفل مدمن على المخدرات في بغداد ولا يصدق أحد بأن أطفال العراق باتوا فريسة للاغتصاب إذ تتعرض عشرات من الفتيات في سن (12 سنة) غالى التحرش الجنسي، لا بل أن هناك أماكن تستخدم لممارسة الجنس مع الأطفال في بغداد والمحافظات الأخرى عملت مجموعة من المنظمة على رصدها". وعلى رغم أن انعدام الأمن هو مشكلة العراقيين جميعاً إلا أن تأثيره المباشر يكون في الأطفال أكثر من سواهم، إذ إن الانفجارات اليومية والسيارات المفخخة التي انفجرت بالقرب من المدارس أودت بحياة المئات منهم.