رد
تلقت ‘’الوقت’’ تعقيبا من جمال السلمان على المقابلة التي أجراها الزميل أحمد العرادي مع علي فخرو. وهنا التعقيب: تابعت وغيري من المهتمين بالشأن القومي الحلقتين اللتين نشرتهما جريدتكم الغراء ‘’الوقت’’ مع المفكر والرمز الوطني والقومي علي فخرو بشأن تجربته في العمل السياسي، وهو المفكر والخبير بشؤون وشجون العمل القومي وأحد الرجال المؤمنين بحق الأمة في النهوض والتحرر وبناء مشروعها النهضوي، ولا شك في أنه تحدث عن فترات من أغنى مراحل ومسارات العمل القومي حين كان المد القومي في أوجه في مرحلة التحرر العربي، وتلك مرحلة البدايات التي لم نعشها، فقد ولدتُ في عام الوحدة وسميت باسمي تيمنا بقائد الوحدة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر
واستوقفني في حديث أستاذنا المفكر حديثه عن الوحدة بين مصر وسوريا حيث كرر في أكثر من مقابلة وفي صحف عدة وآخرها صحيفتكم المتألقة وذلك بقوله تكراراً ومراراً (إن حزب البعث بنفسه، وقع على وثيقة فك الوحدة وانهيارها) الوقت في 9 يوليو/ تموز .2007
إن ذلك التكرار قد دفعني مراراً للبحث في تلك المرحلة العصيبة، ثم تثبط الهمم لانشغالات أخرى، ولكني هذه المرحلة آليت على نفسي ضرورة البحث، فلم أعش تلك الفترة وبالتالي وجب أن ابحث في المصادر التاريخية والوثائق المتاحة عن تلك المرحلة، حيث من المجحف توجيه ذلك الاتهام الخطير من دون أن نتعرف على ما كتب وما صدر عن البعث في تلك الفترة العصيبة حيث أغلب رجالاتها وقادتها أصبحوا في ذمة الله، ولابد من إنصاف تلك المرحلة بكل سلبياتها وإيجابياتها.
بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى أن البعث كان وفق رؤيته الاستراتيجية متيقنا من مكانة مصر ودورها في ساحة الوطن العربي بعد ثورة 23 يوليو/ تموز ,1955 والمواجهة بين عبدالناصر وقوى الاستعمار في تلك المرحلة، وبالتالي فقد سعى بكل جهده لقيام الوحدة، وكان أحد شروط الوحدة حل التنظيم الحزبي في مصر وسوريا، وهو القرار الذي اتخذه البعث في تلك الفترة أملا في تحقيق الوحدة ذلك الهدف الاستراتيجي العظيم وأحد ركائز فكر البعث، على رغم ما سببه ذلك القرار من إضعاف دور الجماهير والمنظمات الجماهيرية والحزبية في بناء السياج الحامي للوحدة والمقوم للسلبيات التي من الممكن أن تبرز في تلك التجربة.
وحين وقع الانفصال لم يكن للبعث تنظيمات في سوريا ولا مصر بل كانت هناك الشخصيات البعثية المعروفة، ولم يكن البعث في الحكم في سوريا في ذلك الوقت، وبمراجعة الوثائق الموجودة عن تلك المرحلة يتضح ما يلي:
* إن الخطأ الكبير في حياة صلاح البيطار الذي لم يغفره له الحزب هو توقيعه مع أكرم الحوراني ‘’وثيقة الانفصال’’ التي كانت بمثابة ردة محلية ضيقة على المبدأ الأساسي للحزب، مبدأ الوحدة العربية.
واعتذر البيطار عن ‘’خطيئته’’ سريعا وعاد الى إصدار صحيفة ‘’البعث’’ في عهد الانفصال ملتزما بالخط القومي الأصيل للبعث بقيادة ميشيل عفلق في الهجمة على النظام السوري اليميني الذي قاد عملية الانفصال في تلك الفترة.
* أما أكرم الحوراني فإنه ابتعد عن البعث بعد توقيعه وثيقة الانفصال وساهم مع النظام القائم في تلك الفترة في سوريا في الوقت الذي دعت فيه القيادة القومية حينها كوادر البعث وأعضاءه الانسحاب من الحكومة التي شكلها قادة الانفصال وعدم المشاركة في أي لجان أو مؤسسات نابعة من الحكم السوري ذلك الوقت.
* صاحب الانفصال السوري وفي أعقابه مباشرة انفجار البعث إلى شظايا أربع: الوحدويون الاشتراكيون وهم الأقرب إلى عبدالناصر، والقطريون وهم الذين رفضوا حل التنظيم الحزبي عشية الوحدة واستمروا على شيء من الترابط في عهد الوحدة مخالفين قرار الحل، والاشتراكيون العرب وهم الحزب العربي الاشتراكي سابقا أي جماعة الحوراني وأخيرا التيار القومي الموالون لميشيل عفلق.
* إن البعث قد أصدر في أوائل ديسمبر/ كانون الأول في عام الانفصال نفسه تعميماً إلى جميع المنظمات الحزبية تضمنت تقييما ونقدا ذاتياً وموضوعياً لمرحلة الوحدة وأسباب الانفصال أدان من خلالها الانفصال والقائمين عليه في القطر السوري ودعا جماهيره إلى العمل من أجل تجديد الوحدة وإرساءها على أسس راسخة ومتينة في ظل أوضاع ديمقراطية تهيئ للشعب إمكانات التعبير الحر عن إرادته. (كتاب نضال البعث ? الجزء السادس)
كان موضوع الانفصال أهم محاور البحث والدراسة في المؤتمر القومي الخامس الذي عقده البعث في شهر مايو/ أيار العام ,1962 وفي ختام تلك المناقشات اتخذ المؤتمر عدداً من القرارات نورد منها ما يلي:
.1 الوحدة أساس عقائدي من أسس وجود البعث لا يمكن للحزب أن يتخلى عنه.
.2 إن الانفصال الذي تم في سبتمبر/ أيلول 1961 كان مؤامرة رجعية إقليمية مدعومة من الاستعمار استغلت الأخطاء التي رافقت نظام الحكم لتنقلب لا على تلك الأخطاء، ولكن على الوحدة نفسها، وإن ما ورد بخلاف ذلك من آراء ومواقف نسبت بشكل أو بآخر إلى الحزب فلا علاقة للحزب بها على الإطلاق. (كتاب نضال البعث – الجزء السادس)
* كما حدد الحزب في المؤتمر نفسه، مهمات المرحلة بإعادة التنظيم الحزبي في سوريا وأن يكون نضال الحزب تحت الشعارات والأهداف المرحلية الأساسية التالية:
* الوحدة المنبثقة عن نظرة الحزب لها ولطريق تحقيقها، أي المتأتية نتيجة نضال شعبي ديمقراطي منظم، ونتيجة تطوير الأوضاع في سورية ومصر شعبياً وسياسياً وعزل الرجعية ومحاربة الفردية والتسلط.
؟ مقاومة الوضع القائم في سوريا على أن يبدأ:
.1 الانسحاب من الحكم الحالي الذي يحارب الحزب، وفي حالة رفض الوزيرين الالتزام بذلك وجب على الحزب إصدار بيان يعلن فيه عدم علاقته بهما.
.2 يكلف جميع الحزبيين السابقين المعينين في اللجان التي شكلتها الحكومة الحالية بالانسحاب، ويعلن الحزب عدم علاقته بالذين لم يلتزموا بهذا الموقف الحزبي.( كتاب نضال البعث – الجزء السادس)
كما كتب قائد البعث المفكر ميشيل عفلق مقالات عدة في جريدة البعث السورية في ذلك الوقت مندداً بجريمة الانفصال ومؤكداً المهمات التاريخية للحزب في تلك المرحلة نقتبس من ذلك ‘’أمام هذا الواقع وجدت الطليعة العربية نفسها مطالبة بواجبين وبأن تخوض معركتين في آن واحد: الدفاع عن الوحدة ضد الانفصال والقوى المعادية للأمة العربية التي تريد أن تكرسه وتخلده، الدفاع عن الوحدة وفكرتها وواقعيتها وقابليتها للتحقيق، والدفاع عن تقدميتها وارتباطها بمصلحة الجماهير وعن جديتها وضرورة وضعها فوق الظروف العابرة وفوق الانفعالات والأحقاد وأما المعركة الثانية معركة تصحيح أخطاء التجربة الأولى للوحدة ‘’ ( كتاب نضال البعث – الجزء السادس)
كما كتب في مقال آخر’’ إن الردة الانفصالية اليوم عبارة عن مصالح رجعية ومنطق شعوبي وإقليمي. وإن واجب الحركة التقدمية أن تعود إلى جوهر الاتجاه الذي اختطته منذ البداية في مجال القومية العربية ونعني التفاعل بين الثورة القومية والثورة الاجتماعية والعمل لهما عملا مترابطاً’’
إننا نحاكم التجربة ونبحث فيها من خلال الوثائق المتاحة للجميع، وحتى لا ننسى وندخل في غمرة منطق الاجتثاث، الذي تتكالب فيه قوى الامبريالية والطائفية والعمالة، لإخماد جذوة هذا الفكر النهضوي، فلو تحول حكم البعث إلى دولة كغيره من الدول لعاش بالدعة والسلامة التي تعيشها أنظمة الحكم الراهن التي لا تملك من أمرها شيئاً فكيف بحملة المشروع النهضوي ولكن حينها لن يكون ذلك البعث ولا قادته.
وبعد فذلك غيض من فيض الوثائق والمقالات التي ملأت صحف تلك المرحلة رأيت عرضها للقارئ الكريم، وكلي ثقة بأن أستاذنا المفكر علي فخرو يملك ما هو أكثر لو عاد بالذاكرة قليلاً لإنصاف رفاقه الذين اختارهم الله.
(*) نشرفي: جريدة الوقت 16 يوليو 2007م