كما نعلم، أثارت التصريحات التي أدلى بها منوشهر محمدي مساعد وزير الخارجية الإيراني حول شرعية نظم الحكم في دول مجلس التعاون، غضبا عارما عبر عنه عبدالرحمن العطية الأمين العام للمجلس في تصريحاته التي طالب فيها إيران بتوضيحات. الذي حدث بعد ذلك، كما هو معروف ان المسئول الإيراني نفى ان يكون قد أدلى بهذه التصريحات بالشكل الذي نشر عنها، وقال ان «وسائل الاعلام لم تنتبه بشكل صحيح الى تصريحاته«. أي ان وسائل الإعلام أساءت فهم وتقديم هذه التصريحات، أو أخرجتها عن سياقها الصحيح.
أين الحقيقة هنا إذن؟ هل المسئول الإيراني قال هذه التصريحات بالشكل الذي نقلته وسائل الإعلام أم لا؟ الوصول الى الحقيقة هنا أمر مهم. فإذا كان لم يدل فعلا بهذه التصريحات، فالقضية منتهية. أما اذا كان قد أدلى بها، وحاول بعد ذلك التنصل منها، فإن كلاما آخر يجب ان يقال هنا. للتحقق مما قاله المسئول الإيراني فعلا، عدت الى المصدر الاساسي الذي اشار الى تصريحاته لأول مرة، وهو وكالة «مهر« الإيرانية للأنباء. عدت الى نص الموضوع الذي نشرته الوكالة وقدمت فيه تلخيصا للمحاضرة التي القاها محمدي في «الملتقى العاشر لأساتذة الجامعات التعبوييين« في مشهد، ووجدت التالي: عنوان الموضوع الذي نشرته الوكالة هو: «مساعد وزير الخارجية: الأزمة ستطال شرعية الأنظمة الملكية في الخليج الفارسي«. والمقدمة تقول: «أشار مساعد وزير الخارجية الى افتعال أمريكا للأزمات في الشرق الأوسط وفشلها«، مضيفا: «ستطال قريبا أزمة جديدة منطقة الخليج الفارسي وتهدد شرعية الأنظمة الملكية والتقليدية في المنطقة«. أما في التفاصيل، فقد ذكرت الوكالة بالنص: «واعتبر ان الشرق الأوسط سيبقى مركز التطورات وان النزاعات لن تحل، مضيفا: ان الأزمة التالية والتي يتوقع ان تشمل القسم الأعظم من الخليج الفارسي، هي أزمة شرعية الأنظمة الملكية والتقليدية ونظرا للظروف الراهنة فإن هذه الأنظمة ليست قادرة على الاستمرار في بقائها«. وخلص محمدي قائلا: «نحن الايرانيون لدينا دور هام في احتواء الأزمات وكذلك في تطورات الشرق الأوسط، ونأمل من خلال المعرفة الدقيقة للمنطقة وتقديم أطر جديدة نظرية وتحليلية ان نتمكن من القيام بدور أقوى تأثيرا«. هذا هو نص ما نشرته وكالة «مهر« الايرانية للانباء نفسها. وإذن، فلم يكن هناك أي تحريف أو سوء فهم أو اساءة تقديم من جانب أجهزة الاعلام التي نقلت هذه التصريحات. وكما هو واضح من نص كلامه، فإن الفكرة التي يريد طرحها المسئول الإيراني من وراء هذا الحديث عن نظم الحكم في مجلس التعاون واضحة.. ان ايران يجب ان تستعد لتتعامل هي مع ما يظن انها أزمة استمرار هذه الأنظمة. لسنا هنا بصدد التعليق على ما قاله محمدي. وقد سبق لنا على أية حال ان ناقشنا تفصيلا المشاكل الاساسية في علاقات إيران مع مجلس التعاون. القضية هنا انه ليس بمثل هذا الاسلوب يمكن ان تتطور علاقات إيران مع دول المجلس، أو تقام على أسس سليمة. كان من الأفضل لو ان مسئولا إيرانيا كبيرا خرج وقال ان هذا الكلام الذي قاله مساعد وزير الخارجية في محاضرته هو رأي شخصي يخصه هو، وهو رأي خاطئ وغير مقبول ولا يعبر عن أي رؤية رسمية للحكومة الايرانية. اما ان يدلى محمدي بهذه التصريحات الاستفزازية، ثم تصمت الحكومة، وتريد لنا ان نعتبر القضية منتهية لمجرد انه قال ان وسائل الاعلام أساءت تقديم تصريحاته، فهذا امر يلقي بكثير من الشكوك حول موقف الحكومة الايرانية وحول حقيقة رؤاها ونواياها تجاه دول مجلس التعاون. المشكلة اليوم انه بسبب مواقف ايرانية كثيرة مثل هذه، اصبحت هناك فجوة كبيرة من عدم الثقة بين ايران وبين دول مجلس التعاون.. على المستويات الرسمية والشعبية في مجلس التعاون هناك عدم ثقة في حقيقة نوايا ايران. ولو ان إيران حريصة حقا على العلاقات مع دول المجلس وعلى تطويرها كما تقول، فإنها بحاجة الى الكثير من الجهد في المواقف وفي السلوك العملي، كي تبدد عدم الثقة هذه. وبدون هذا، وبغض النظر عن التصريحات الرسمية المجاملة من الجانبين، لا يمكن أن تكون هناك أي خطوات عملية جدية فعلا تجاه تطوير العلاقات وحل المشاكل المعلقة