هاني الفردان
تحدّثنا من قبل عن دور مجلس الشورى، وتساءلنا عن طبيعة تمثيله، فهل هو يمثل الشعب البحريني ويحمل همومه وقضاياه ومعاناته، أم هو أداة في يد السلطة تحرّكه كيفما تشاء لإصدار قوانين وتشريعات أو لعرقلة مشاريع ومقترحات، إذ يأتي قانون الإسكان الجديد تحدياً واقعياً لإثبات عكس ما نعتقده ويعتقده جل المواطن.
ناقش مجلس الشورى في جلسته الأحد (21 يونيو/ حزيران 2015) مشروع قانون تنص إحدى مواده على سحب الوحدات الإسكانية وإلغاء أي خدمات إسكانية ممن تم إسقاط جنسياتهم من البحرينيين. وشهدت المادة (9) من المشروع الجديد مناقشات مطاولة، حيث نصّت على أنه «يُلغى تخصيص الانتفاع بالمسكن للمنتفع في أي من الحالات الآتية: إذا فقد أو سُحبت أو أسقطت عنه الجنسية البحرينية بناءً على أحكام قانون الجنسية البحرينية؛ إذا تخلّف عن دفع الأقساط المستحقة لمدة 6 أشهر متواصلة، وكان ذلك بدون سبب تقبله الإدارة؛ وإذا تبيّن أن البيانات التي أقر بصحتها في طلب الانتفاع أو في المستندات التي قدمها مخالفة كلها أو بعضها للحقيقة؛ أو قام بإخفاء بيانات أو مستندات كان يتعين عليه تقديمها وقت تقديم الطلب، وكانت تلك البيانات أو المستندات سبباً في منحه التخصيص بالانتفاع».
كما تضمنت المادة حالات «إذا استخدم المسكن لممارسة أعمال مخالفة للنظام العام والآداب وثبت ذلك بموجب حكم قضائي بات، وإذا تخلف عن السكن بالمسكن لمدة تزيد على 6 أشهر من تاريخ استلامه له، وكان ذلك بدون سبب تقبله الإدارة، وإذا امتنع عن تسليم المسكن المؤقت على النحو المبين في المادة (16) من هذا القانون، وإذا امتنع عن التوقيع على عقد نظام اتحاد المنتفعين بشقق الإسكان، أو إذا خالف شروطه وأحكامه، وإذا حكم عليه بحكم بات في إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، وإذا قام بأي من الأعمال أو التصرفات الواردة في المادة (8) من هذا القانون ولم يقم بتصحيح الوضع المخالف خلال شهر من تاريخ إشعاره بذلك، وإذا أبدى رغبته في إنهاء الانتفاع».
مادة بحد ذاتها مليئة بمفهوم العقاب الجماعي، الذي تسعى السلطة من وراء تمريره إلى فرض عقوبات على أسرة بأكملها تنتفع من الوحدة السكنية التي حصلت عليها بشق الأنفس وبعد سنوات طويلة تصل في الكثير من الأحيان لأكثر من 20 عاماً.
رغم رفض السلطة ممثلة في وزير شئون مجلسي الشورى والنواب، غانم البوعينين، فاعتبر أن توصيف إلغاء التخصيص لمن أسقط عنه الجنسية بأنه عقوبة، بالتوصيف غير الصحيح، كون المسقطة جنسيته أصبح «غير بحريني» في مفهوم السلطة فقط، إلا أن الواقع مختلف جداً، فمجرد إخراج أسرةٍ بأكملها من مسكنها، هو عقاب طال عائلة وليس فرداً، وتلك العائلة هي بحرينية، ولم تسقط جنسيتها يا سعادة الوزير!
ما يشاد به في مجلس الشورى حديث بعض أعضائه عن الوتيرة المتسارعة التي تشهدها البحرين لإسقاط جنسيات مواطنيها بأحكامٍ قضائية، حتى ذهب عضو الشورى عبدالعزيز أبل للحديث عن «الأثر الاجتماعي الخطير لذلك، وسحب الوحدة السكنية يعني أن العقوبة تطال الأهل».
تشريع سحب الوحدات الإسكانية وإلغاء أي خدمات إسكانية ممن تم إسقاط جنسياتهم من البحرينيين، هو عقاب جماعي يخالف نصوص القانون والدستور البحريني الذي ينص على أن العقوبة فردية، وليست جماعية؛ وأن سحب الوحدة السكنية من مواطن بحريني أسقطت جنسيته لأسباب سياسية أو حتى جنائية هو فرض عقاب على زوجته البحرينية وأبنائه البحرينيين أيضاً، فلماذا يسعى المشرّع البحريني لمعاقبة عائلة بأكملها وطردها في الشارع!
قانون الإسكان الجديد تحدث عن أن الانتفاع بالوحدة السكنية من حق الأسرة البحرينية، وتحدث المشرع في هذا القانون عن الأسرة وليس الفرد أو رب الأسرة فقط، وبالتالي فإن إسقاط جنسية فرد من الأسرة، لا يعني حرمان الأسرة بأكملها من حقها الطبيعي في الحصول على سكن.
عندما يقول النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو مشيراً إلى أن المادة (50) من المشروع التي تتعارض مع المادتين (9) و(35): «من المخجل أن هاتين المادتين مدرجتان في مشروع مقدم للشورى. نحن لا نقدم خدمات إسكانية لشخص واحد، والمادة (50) من المشروع جاءت لحماية وحدة الأسرة». فمن المعيب والمخجل أن تصل السلطة ومشرّعوها إلى هذا الحد من الفجور في الخصومة، بحيث تسعى لتشريع العقاب الجماعي وبنصوص قانونية لتبرّر سياساتها الخاطئة في معالجة الملفات السياسية والاجتماعية التي تخنق المواطن البحريني.
من المعيب أن يقف مواطن بحريني بصفة نائب أو عضو شورى، يقبل على نفسه أن يناقش مثل هذه النصوص القانونية التي من شأنها أن تزيد من حالات الاختناق والتأزم في هذا البلد.
من المخجل أن يصل تفكير السلطة لهذا الحد، بأن تطرد عوائل بحرينية من سكنها الذي انتظرته سنوات طويلة، فقط لأنها أسقط جنسية رب تلك الأسرة إذ أصبح في نظرها غير بحريني، دون أن تنظر إلى أن هناك عائلة تسكن في هذا السكن، هي بحرينية ومن حقها الدستوري ذلك السكن.
من المخجل أن تقدّم السلطة مشروعاً وأن يناقش «البرلمان» مثل هذه المواد التي لا تحترم حقوق الإنسان.