هاني الفردان
بدا واضحاً من تسريبات صحافية نسبت إلى «مصدر مسئول مقرب» بشأن لقاءات سمو ولي العهد يوم الأربعاء (15 يناير/ كانون الثاني 2014) مع وفد المعارضة، ممثلاً بالأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، لـ «إيجاد نمط جديد للحوار»، وكذلك مع «جمعيات الفاتح»، بأنها «ضربة استباقية» مدروسة لعرقلة أية خطوات قد تكون جدية لإنهاء الأزمة السياسية الخانقة في البلاد.
مصدر مسئول كشف عن ما لم يتحدث عنه من حضر لقاءات ولي العهد سواء كانوا من المعارضين أو «الموالين» أو حتى من الوزراء والمسئولين الموجودين.
مصدر مسئول قيل إنه مقرب من اجتماعات يوم (الأربعاء)، التي عقدت بديوان ولي العهد بتوجيه من عاهل البلاد مع القوى السياسية الوطنية، كشف أنه بعد الاستماع لمختلف وجهات النظر وبحث مختلف الآراء والأفكار سيكون التشاور في المرحلة المقبلة حول عدة بنود، كان أهمها أن يكون مبدأ تعيين الحكومة حق أصيل لجلالة الملك، إما بالتشاور مع السلطة التشريعية قبل التعيين أو بالتصديق على التشكيل الحكومي من خلالها، وتعديل صلاحيات وتركيبة مجلس الشورى أو إبقائه على الوضع الحالي، ومبادئ تعديل الدوائر الانتخابية، وتعزيز استقلالية القضاء وتطويره، وتحقيق الأمن وحفظه لجميع مكونات المجتمع مع السعي لتعزيز الثقة المتبادلة وضمان الاحترام المطلوب لقوات الأمن من الجميع.
السيناريو يعيد نفسه، فعندما طرح ولي العهد مبادرة الحوار في «منتدى حوار المنامة» (7 ديسمبر/ كانون الأول 2012) استمع / فهم العالم دعوة سمو ولي العهد للحوار من خلال منتدى «حوار المنامة»، على أنها دعوة واضحة للمعارضة إلى الخروج من الأزمة الخانقة، إذ أن السلطة لا مشكلة لديها مع «الموالين»، وخلافها مع المعارضين، إلا أن لبعض الأطراف الرسمية نظرة مختلفة عبَّرت عنها بصراحة بعد دعوة ولي العهد للحوار «لقد فهمتم الدعوة للحوار بشكل مغلوط».
ووجهت دعوة ولي العهد في ذلك الوقت بـ «ضربات استباقية» عديدة بدأت من قبة مجلس الشورى في (10 ديسمبر 2012) وحملة العضو محمد المسلم.
وفي يوم الثلثاء (11 ديسمبر 2012) من خلال مجلس النواب، شنَّ نواب هجوماً أيضاً على دعوة ولي العهد للحوار، وقال وزير العدل إنه «لن يكون هناك حوار فوق الطاولة وآخر تحت الطاولة، وكل شيء معلن وشفّاف».
المعارضة أول من رحَّب بدعوة ولي العهد للحوار في 2012، وأعلنت «استعدادها للمشاركة في هذا الحوار، الذي من المفترض أن يصادق الشعب على نتائجه؛ كونه مصدر السلطات جميعاً»، وفي ظل صمت رسمي مستغرب، ورفض القوى الموالية لها، والتي كانت دائماً تدعم «الحل الأمني» على السياسي.
بعد أسبوع كامل من دعوة ولي العهد إلى الحوار، اتهمت السلطة المعارضةَ بـ «الإساءة إلى دعوة الحوار، واستغلاله بشكل مغرض، وتسويقها إعلاميّاً بشكل مغلوط»، وهو الأمر الذي أثار استغراب الجميع؛ فكيف صمتت السلطة أسبوعاً كاملاً عن «الاستغلال السيئ لحديث ولي العهد، وتسويقه بشكل مغلوط»!، ليس فقط من قِبل المعارضة، بل من قِبل جميع وكالات الأنباء العالمية والصحف العربية والأجنبية، وحتى الحكومات الغربية، التي عبّرت عن ترحيبها ودعمها لدعوة الحوار.
بعد تعليق الحوار من قبل السلطة حتى إشعار آخر يوم الأربعاء (8 يناير 2014) لانسداد الأفق، ووصول الحوار لطريق مسدود، مع اشتداد الحملة الأمنية والمحاكمات المتواصلة وملاحقة المعارضين، عاد سمو ولي العهد لطرح مبادرة يمكن أن نصفها بـ «الجديدة»، لتنشيط عملية الحوار السياسي «الميتة»، والتي أثبتت فشلها منذ انطلاقها في (10 فبراير/ شباط 2013) وحتى (18 سبتمبر/ أيلول 2013)، عندما علقت المعارضة مشاركتها فيه.
طرْح ولي العهد الجديد ولقاؤه بالجمعيات السياسية المعارضة والموالية، ومحاولة «إنعاش» الحوار مجدداً، قوبل أيضاً بـ «ضربة استباقية» جديدة كانت معالمها واضحة، أولها بتصريح «المصدر المسئول»، والذي روجت له صحف محلية، والذي جاء بمثابة وضع العصا في عجلة أي تقدم جاد في العملية السياسية.
التجربة على مدى العامين الماضيين، تؤكد أن هناك أطرافاً ذات نفوذ وسلطة وقوة تعمل جاهدة على منع أية تسوية سياسية أو حل للأزمة البحرينية الخانقة، بل وتعمل على إعاقة أي تحرك، حتى وإن كان محدوداً أو بسيطاً، وتمتلك تلك الأطراف أدوات عديدة سواء كانت سياسية أو حتى ميدانية وإعلامية، لإيجاد الفاعلية لـ «ضرباتها الاستباقية».
التجربة علمتنا أن لا نكون متشائمين أو متفائلين من أية مبادرة جديدة، بل رسخت في أذهاننا مفهوم الانتظار والتروي قليلاً لتتضح الصورة، وتنكشف الحقيقة، ونفهم تداعيات المواقف، وحقيقة ما يدور حولنا من معطيات.
ولنقيِّم المبادرة الجديدة سننتظر لما بعد فبراير 2014، وقدرتها على مواجهة «الضربات الاستباقية» والصمود أمام التحديات الخفية، وما يدار خلف كواليس العملية السياسية.