قاسم حسين
أثار المحامي الأستاذ علي محسن الورقاء في مقاله الأحد الماضي تساؤلاً مهماًً: «هل القضاء العدلي دائماً نزيه ومنزّه»، وهي قضيةٌ يتكلم فيها اليوم جميع البحرينيين، في منتدياتهم ومجالسهم ومواقعهم الاجتماعية… وكلها تتعلق بالقضاء.
فمن آثار استمرار الأزمة السياسية أن تضاعفت أعداد المعتقلين، وزادت أعداد القضايا المرفوعة أمام القضاء. وبينما كانت صفحات المحاكم بالصحف تغطي في الأعوام الماضية قضايا الجنح والجنايات، من سرقات وقتل واعتداءات، أصبحت أكثر أخبار المحاكم تتعلق اليوم بقضايا السياسة وحقوق الإنسان، بعد تشديد الأحكام وتغليظ العقوبات ضد المعارضة بمباركةٍ من أعضاء البرلمان الحالي.
المحامي الورقاء نفى بأسلوب منطقي يتفق معه كل عاقل، أن يمتلك القضاة العصمة أو النور الإلهي، مما اختص الله به الأنبياء، وبما أن القضاة كسائر البشر العاديين، تبقى لهم درجة معينة من النزاهة، بسبب تفاوتهم في العلم والمعرفة، والطبائع والأمزجة، والإحساس والعاطفة، وفي تقدير الأمور والتأثر بالبيئة وضغوطات الحياة. ويخلص إلى القول: «فلا تثريب إنْ رأينا التفاوت في أحكامهم بين الشدة واللين أو الوسطية، أو إنْ رأينا التناقض في أحكامهم».
هذه القضية (التناقض في الأحكام) أصبحت مطروحةً للنقاش بشكل يومي بين الناس، خصوصاً عندما تظهر بعض التناقضات الواضحة للعين المجردة، من قبيل تخفيف أحكام عن متهمين من رجال الأمن بقضايا قتل مواطنين، من سبع إلى ثلاث سنوات، بينما تصدر أحكام بالسجن خمس سنوات في قضية «حرق إطارات»، أو ثلاث سنوات لكتابة «تغريدة». ويمكنك كمراقب، أن ترصد ردود الفعل التلقائية منذ الصباح الباكر، حيث تقرأ في «التويتر» أو «الفيسبوك»: «بهذا أصبح الإنسان أرخص قيمةً من إطار السيارة». وهو تعليقٌ يعكس تساؤلات كبرى آخذة بالشيوع في الشارع، تحوم حول أداء القضاء.
تشديد الأحكام على المعارضين في الشهرين الأخيرين، وصدور أحكام مختلفة في وقائع متشابهة أو متقاربة، أثارا ويثيران المزيد من التساؤلات، خصوصاً مع زيادة أعداد المعتقلين جراء تشديد الإجراءات الأمنية والمداهمات. وهو واقعٌ انتقدته القوى السياسية، وآخرها جمعية «وعد»، التي أصدرت بياناً أمس، دعت فيه إلى تحييد القضاء وعدم تسييسه، واعتبرت تخفيف الأحكام عن منتسبي أجهزة الأمن المتورطين في قضايا تعذيب وقتل مواطنين، استمراراً لسياسة الإفلات من العقاب. وجاء البيان على خلفية تخفيف حكم على رجل أمن متهم بقتل الشاب علي مشيمع، أول من سقط من ضحايا الحراك السياسي في فبراير 2011، وقبله بثلاثة أسابيع صدر حكم بتخفيف العقوبة عن متورط آخر بقتل الشاب علي صقر تحت التعذيب.
القضية لا تنحصر اليوم في ردود الأفعال المحلية، ونظرة الرأي العام للقضاء، إنما تتعداه إلى العالم الخارجي، فزيادة مثل هذه الأحكام، كماً وكيفاً، تصبح مادةً تتداولها كبريات الصحف العالمية، وتأخذ طريقها للافتتاحيات، وتؤثر على تشكيل الرأي العام بما فيه صانع القرار. وفي النتيجة ينعكس على تحديد مواقف الدول ومنظمات حقوق الانسان، ما دفع المفوضة السامية لحقوق الإنسان إلى وصف ما يجري في محاكم البحرين بـ«العدالة الزائفة»، وكما حدث في تصويت 47 دولة على إدانة البحرين في الجلسة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.
لم تعد أحكام القضاء قضية سياسية داخلية، مهما قيل أو كُتب لإثبات استقلالية هذا القضاء وتبرئته من تهمة التسييس، وإنّما أصبحت مادةً كاويةً تؤثر على سمعة البلد وما يقال عن استقلالية السلطات الثلاث.