قاسم حسين
نشرت الصحف المحلية أمس رسالة أبوية وجّهها وزير الصحة صادق الشهابي، إلى مرضى فقر الدم المنجلي (السكلر)… بدأها بعبارة: أبنائي وبناتي، أعرب فيها عن رغبته الجامحة في التواصل من أجل توضيح بعض النقاط!
النقاط التي سردها الوزير كانت واضحة تماماً، ولم تكن بحاجة إلى توضيح، سواءً للمرضى وأهاليهم، أو للرأي العام البحريني، الذي بات يعرف التفاصيل الدقيقة عن هذا المرض ومعاناة ضحاياه، بسبب ما تنشره الصحف المحلية على امتداد العام.
الرسالة إذا أخضعناها إلى تحليل بنيوي، سنكتشف أنها لم تكن مكتوبةً باللغة العربية، وإنما كُتبت باللغة الانجليزية وتم ترجمتها إلى العربية. وهي شبيهة بالمواضيع المترجمة عن الصحف الأجنبية ترجمة حرفية تفتقر إلى روح اللغة والبعد عن الواقع المعاش.
هدف الرسالة، كما هو واضح، أنها جاءت ترقيعاً لخطأ فادح وقعت فيه الوزارة، على إثر تعميم أصدره الوكيل المساعد لشئون المستشفيات أمين الساعاتي، وأثار غضباً عارماً لدى مرضى السكلر الذين يبلغ تعدادهم 18 ألفاً، ويراجع 2000 منهم المستشفيات بشكل دائم، ويلجأ منهم العشرات إلى المستشفى والمراكز الصحية بشكل يومي تقريباً للتخلص من نوبات الألم.
الساعاتي أصدر تعميماً باسم «بروتوكول»، فرض فيه على الأطباء عدم إعطاء المرضى أية مهدئات للألم خلال الساعات الثماني الأولى من دخولهم المستشفى، بحجة أن هناك عدداً من المرضى أصبحوا مدمنين على المهدئات. وسبق للوزارة أن روّجت قبل أيام رقماً خرافياً عمّا تصرفه من مهدئات يومياً، دون أن تحدّد عمداً، هل يشمل ضحايا جميع الأمراض وحالات الولادة والعمليات الجراحية أم يقتصر على السكلر. وكان في ذلك تمويه للحقيقة، من أجل تمرير التعميم دون اعتراض.
ما حصل هو أن القرار تسبّب في ثورةٍ عارمةٍ من قبل المرضى، وحتى الجمعية التي عرفت بمواقفها التصالحية ورغبتها في التواصل مع الوزارة للخروج بحلول تخفّف معاناة المرضى، اتخذت موقفاً غاضباً من القرار لأنه يهدّد حياة المرضى وسقوط مزيدٍ من الضحايا.
الوزير اليوم متهم بأنه يدافع عن قرار متسرع وخاطئ وشخصي، لم يستشر فيه الوكيل المساعد للمستشفيات الأطباء الممارسين وسلبهم حرية تقدير الوضع، بل هدّد أي طبيب بالتحويل إلى مجلس تأديبي. وهو مسلكٌ مزاجي وخاطئٌ لا ينبغي أن تسير فيه وزارةٌ مؤتَمَنَةٌ على أرواح الناس.
ردة الفعل الغاضبة، دفعت الوزارة إلى عقد مؤتمر صحافي عاجل حضره بعض أعضاء الجمعية، وغاب عنه الساعاتي صاحب التعميم الذي فجّر المشكلة، فوجدنا الوزير يدافع عن هذا القرار الخاطئ المرتجل.
بعد كل هذا التخبط والفشل في احتواء الموقف، وعدم امتلاك الشجاعة في تجميد القرار ولو لمدة أسبوعين، كما طالبت الجمعية، لتدارسه واستشارة الأطباء ذوي الشأن أنفسهم، لجأ الوزير إلى مخاطبة مرضى السكلر عبر رسالة مفتوحة، أثارت مزيداً من الغضب والنقمة والانتقادات.
مرضى السكلر لا يحتاجون إلى رسالة تزيد الدنيا قتامةً في أعينهم يا وزير الصحة، بل هم بحاجةٍ إلى علاجٍ ويدٍ حانية، وأن ترفع عنهم هذا التعميم الظالم الخاطئ المستبد، الذي يدل على عدم احترام المريض ومعاناته، والاستخفاف بحقوقه بعيداً عما تتكلّم عنه من التزام المهنية وحسن المعاملة وتحسين جودة الحياة.