هاني الفردان
لم يتفاجأ الشارع البحريني بشكل عام والمعارض منه بشكل خاص، بمشاهد مشاركة أعداد كبيرة من الأجانب من مختلف الأعراق والديانات والجنسيات في الانتخابات النيابية الماضية.
البحرين شهدت خمس انتخابات تشريعية (2002، 2006، 2010، تكميلية 2011، وأخيراً 2014) كان في جلها تواجد لأعداد من المتجنسين، ولكن في انتخابات 2014 كان الأمر واضحاً جداً، بل لعبت الحكومة على المكشوف بورقة المجنسين حديثاً، و«دون مواربة». بل دافعت وبقوة عن حق كل متجنس حتى لو كان حديثاً في المشاركة بالانتخابات، ووفقاً للقانون كما تقول!
التجنيس في البحرين الذي تعتبره قوى المعارضة تجنيساً غير قانوني، موضوع شائك، لا تخلو فترة زمنية من ما يمكن اعتباره «فضيحة مدوية» في ملف من أعقد ملفات الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى بلغت واخترقت بقوة المجالات الرياضية وبمختلف أنواعها.
الجديد في الملف، ما كشف عنه السفير الباكستاني في البحرين عن أن «عدد الباكستانيين، الذين لديهم جواز سفر بحريني، ما بين 25 ألفاً إلى 30 ألفاً»، مع وجود ما يقارب «4000 إلى 5000 شخص ما زالوا على قائمة الانتظار»!
تصريح نشرته صحيفة محلية تصدر باللغة الإنجليزية، لم ينفه أحدٌ بعد، لا من قبل السفارة الباكستانية، ولا من قبل مؤسسات السلطة الرسمية، ولا حتى الصحيفة المحلية.
السفير الباكستاني لم يكتفِ بذلك، بل دعا أيضاً الباكستانيين المتجنسين بالجنسية البحرينية، إلى «الإسراع» بتسليم جنسياتهم الباكستانية للسفارة، كون باكستان لا تسمح بازدواجية الجنسية.
حديث السفير جديد، ودعوته أيضاً جديدة، وهو بذلك يتحدث عن حالات تجنيس ليست قديمة كثيراً، بل ربما حديثة وبشكل كبير جداً، وذلك وفقاً لدعوته لهم بتسليم جنسياتهم الباكستانية.
إذا كان عدد من جنسوا من الجالية الباكستانية نحو 30 ألفاً، فكم عدد الجنسيات الأخرى التي نالت نصيبها من التجنيس؟ إذا ما عرفنا أن الوجود الهندي في البحرين يعد الثاني على صعيد التركيبة السكانية الإجمالية لهذا البلد الصغير حجماً وموارد.
حديث السفير الباكستاني، وما كشف عنه، قوبل بصمت رسمي، وعدم خروج أي جهة تنفيه، وما لا ينفى يصبح حقيقة واقعة وصادقة لا محالة.
الحديث عن التجنيس في البحرين، قضية برمتها «سياسية»، قديمة، وآثارها باقية، ومتجددة ليس على طيف واحد بل على المجتمع بأسره، حتى أصبحت قضية هجرة «عوائل» من البحرين إلى قطر من أبرز نتائج ذلك التجنيس، حتى وإن حاول البعض صبغها بمعطيات مختلفة ومغايرة، ولكون السلطة ضغطت على قطر لوقفه.
مساحة الخلاف في ملف التجنيس، كبيرة سياسياً، وحول أهدافها ومتطلباتها، فعلى رغم أن جميع شعب البحرين مؤمن بحقيقة تداعيات ذلك الملف وأضراره البالغة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، إلا أنهم منقسمون على الحاجة له سياسياً، فالمعارضون يرون فيه تهديداً لهم ولوجودهم، ومحاولة لتغيير تركيبة البلد ديموغرافياً، لقلب معادلة «الأغلبية» وتحويلهم لـ «أقلية»، فيما يرى «القريبون من الحكومة» أنها طوق النجاة «سياسياً» لهم للحفاظ على مكتسباتهم، وضمان سيطرتهم على مفاصل الدولة، حتى وإن ضغطت تلك الفئة الجديدة على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وخلقت لهم الكثير من الأزمات والمشاكل والقلاقل، أو أدت كما حدث مؤخراً إلى قبول عوائل بالهجرة من البحرين إلى بلدٍ آخر، أو لتغيير أنماط سلوكهم، وحرف عاداتهم، وغزو مجتمعاتهم بعادات وسلوكيات دخيلة.
في جلسة برلمانية استثنائية في السادس والعشرين من مايو/ آيار 2004، قال رئيس مجلس النواب السابق خليفة الظهراني بعد رفع الجلسة إثر مشاحنات وملاسنات مع النائب الشيخ عبدالله العالي، بشأن «التجنيس»: «كفانا ما سمعناه أمس من حديث يسيء إلى كل من حصل على الجنسية البحرينية، علينا مسئوليات كثيرة. هناك ما يزيد على 120 ألفاً تجنّسوا في العقود الأخيرة ويجب أن نصهرهم في المجتمع لصالح وطننا وأبنائنا… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم…».
الظهراني القريب جداً جداً من دوائر صنع القرار، كشف في لحظة ربما «انفعالية»، عن تجنيس البحرين 120 ألفاً، وذلك الحديث كان في العام 2004، والذي يبلغ فيه تعداد السكان من البحرينيين 464 ألفاً و808 نسمات (بحسب الإحصاءات الرسمية). وبحسبة بسيطة، نجد أن الرقم الذي فجّره الظهراني في ذلك الوقت بشأن التجنيس سيمثل نحو 25 في المئة من إجمالي شعب البحرين، وهو رقم «مهول جداً» يكشف حجم المأساة الحقيقية لواقع التجنيس في البحرين.
كما أنه في لحظة عدم إدراك خطورة ما يقال، كشف السفير الباكستاني قبل أيام عن تجنيس 30 ألف باكستاني مع وجود خمسة آلاف ينتظرون إعطاءهم الجنسية البحرينية!
عمليات التجنيس المستمرة وغير المتوقفة، تؤكد ما ذهبنا له من قبل من أن معايير التجنيس في البحرين «نسفت» بالكامل، وأصبح «الاستثناء» هو الأساس، وأن إعطاء الجنسية البحرينية، في واقع الحال لا يشترط «الإقامة خمسة وعشرين عاماً متتالية على الأقل لكل أجنبي، أو خمس عشرة سنة متتالية على الأقل لكل عربي». كما أن مباشرة الحق السياسي، لا تحتاج لمن اكتسب الجنسية البحرينية الانتظار عشر سنين ليحق له ذلك، بل وبحسب ما يقوله المسئولون حالياً «إنه مجرد أن يحصل على الجنسية يصبح مواطناً» ويحق له مباشرة الحق السياسي فوراً، ولو قدم للبحرين قبل يوم من الانتخابات وحصل على الجنسية!
لن نستغرب ما شهدناه من الكم الكبير من الأجانب الذين صوّتوا في الانتخابات الماضية، ولن نستغرب إذا ما عرفنا أن بعضهم قد ورد إلى البحرين قبل أيام ومنح الجنسية وشارك في الانتخابات، لأن تأويلات المسئولين فتحت الباب على مصراعيه لذلك. كما لن نستغرب حالة الصمت الرسمي على تصريحات السفير الباكستاني، الذي نشر غسيل التجنيس في البحرين علناً دون أن يعلم، كما فعل من قبل الظهراني، وجعل السلطة في موقف المرتبك وغير القادر على تجاوز القضية سوى بالصمت.
فهل يجرؤ مسئول في الحكومة على الخروج علناً للحديث عن أسباب وقانونية تجنيس 30 ألف باكستاني؟