تجريم البعث
تجريم لعروبة العراق ووحدته
بقلم المحامي حسن بيان
بعد قرار "اجتثاث البعث"، وقانون المساءلة والمحاسبة أحال المالكي عبر إداته الحكومية مشروع قانون "تجريم البعث" إلى مجلس النواب لإقراره. أما لماذا إحالة هذا المشروع وفي هذا الوقت بالذات وتحت هذا المسمى؟ ان الجواب بسيط، إذ أن القرار الأول و القانون لم يؤديا النتيجة المرجوة، فلا أميركا استطاعت عبر حاكمها أن تجتث البعث ولا إفرازات الاحتلال التي تعاقبت على السلطة استطاعت أن تحد حركة البعث من مواجهة الاحتلال وكل المرتبطين معه. بل العكس هو الذي حصل، إذ استطاع البعث عبر دوره المحوري في العمل المقاوم أن يجتث الاحتلال المباشر، ويواصل نضاله لاجتثاث واستئصال بقايا هذا الاحتلال. ولو لم يكن البعث يشكل خطراً على الذين يناصبونه هذا العداء المستحكم لما كانت استنفرت الهجمة عليه واتخذت أشكال مختلفة ومشروع التجريم ليس الاخير من الإجراءات التي تستهدف الحزب في وجوده التنظيمي ومنظومه قيمه الفكرية، ومشروعه السياسي. وقد سبق هذه الخطوة تعرض كوادر الحزب ومناضليه لحملة شعواء أدت إلى استشهاد الآف المناضلين وشن حملة اعتقالات على الشبهة السياسية والتنظيمية اشتدت ضرواتها بعد الانسحاب الأميركي وحلول النظام الإيراني كمحتل من الباطن مكانه.
إن خطورة هذا المشروع، أنه يعتبر كل من ينتمي أو من كان منتمياً إلى البعث مجرم وبالتالي فإنه يقع تحت الأحكام العقابية لهذا القانون، الذي وضعت قواعده بما يخدم قوى المشروع الأصلي الذي استهدف العراق في موقعه ودوره في مديات التأثير التي يستطيعها.و ان طرح هذا المشروع في هذا الوقت بالذات، هو خطوة محسوبة ومرتبطة بالتطورات السياسية والحراك الشعبي الذي يعيشه العراق اليوم
هذا الحراك الذي دخل هذه الأيام شهرة الثامن، لم يستدرج إلى إفخاخ الحكومة المالكية وميليشياتها، لجهة تصويره وكأنه حراك مطلبي المضمون والهدف، ولم يستدرج إلى أرضية خطاب المالكي الطائفي والمذهبي، ولم يستدرج إلى أرضية مواقف الذين يروجون لمشروع تقسيم العراق تحت عنوان إعادة صياغة نظامه الدستوري على قاعدة الأقاليم.
إن حزب البعث، الذي قاد تحالفاً عريضاً ضد الاحتلال، وقدم تجربة رائدة في العمل الجبهوي تحت عنوان التوحد في مواجهة الخطر الخارجي الذي يمثله الاحتلال، استطاع أن يلعب دوراً محورياً في ضبط الإيقاع السياسي لخطاب الحراك الشعبي، بحيث بقي هذا الخطاب منشداً إلى العناوين الوطنية، التي تشكل وحدة العراق القاعدة الارتكازية فيه.
هذا الدور الذي اضطلع به البعث في مرحلة كتابة الصفحة الثانية من مراحل استعادة العراق لوحدته ووحدته، جعل المالكي وبما يمثل من أداة داخلية، واداة تنفيذية لأجندة إيرانية، يواجه مأزقاً حاداً، فلا هو استطاع أن يوفر بيئة آمنة سياسية وشعبية للاحتلال الإيراني من الباطن، ولا هو استطاع أن يجهض الحراك الشعبي ترهيباً وترغيباً، فكان أن لجأ إلى ما يعتبره الطريق الأقصر لإزالة العوائق التي تحول ونفادة المشروع الذي يتولى تنفيذه كأداة محلية عراقية الا وهو تجريم البعث.
إن المالكي ومن يقف وراءه وعلى جنباته، ومن يقدم له المشورة السياسية، يرون إن إسقاط وحدة العراق الوطنية، وإسقاط عروبته، وإسقاط دوره، لا تتم إلا عبر إسقاط دور حزب البعث باعتباره يجسد بطبيعته البنيوية ومنظومته الفكرية، ومشروعه السياسي، الحالة العابرة للطوائف والمناطق، والقادر على النهوض في كل مرة يظن فيها أعداؤه، أنهم أضعفوه وشطبوه من الحياة السياسية وعلاقاته المجتمعية. وخير دليل على ذلك، هو أن إسقاط النظام لم يسقط دوره، بل أنه استطاع إعادة تكييف أوضاعه، بما تلاءم ومعطى المرحلة التي أعقبت الاحتلال واستطاع عبر المقاومة التي قادها أن يحقق الإنجاز الأهم في التاريخ العربي المعاصر. وبالتالي لم تستطع كل الإجراءات العمقية التي نفذت ضد مناضليه أن تفكك بنيته التنظيمية، ولم تستطع أن تحلحل عرى الارتباط العميق بالوضع المجتمعي العراقي، وشواهد ذلك كثيرة، ولعل أبرزها محاكاة واقع شعبي عريض في مختلف المناطق العراقية للخطاب السياسي الذي يطرحه البعث، وضبط الإيقاع السياسي للحراك الشعبي تحت عناوين المسألة الوطنية، ولو لم يكن حزب البعث يجسد حالة محورية في الحياة السياسية والشعبية العراقية، لما كانت الحملة عليه احتلت هذه المركزية من قبل القوى التي لا تريد للعراق أن يستعيد وضعه الطبيعي واحداً موحداً، عربي الانتماء والهوية القومية ودوراً في فاعلاً في حماية الأمن القومي العربي.
من هنا، ترتبط الحملة على حزب البعث، بالحملة على العراق مكوناً وطنياً ودوراً منتظراً منه كرافعة للنضال العربي، وهذه الحملة على البعث ترتبط بأولويات الأهداف الإيرانية التي تريد أن يكون العراق دائراً في الفلك الإيراني، والسبيل لذلك، عراق ضعيف وفي حالة انكشاف وطني، وتفكك وتفسح مجتمعي.
وإذا كان الاحتلال الأميركي، اتخذ قرار حل الجيش العراقي وهو الذي يشكل ركيزة أساسية من ركائز وحدة الكيان الوطني العراقي، والمؤسسة الأهم في المؤسسات الارتكازية في بنيان الدولة، كهدف ارتبط بموجبات الأمن الصهيوني ومصالح القوى التي تعاملت مع الاحتلال ووفرت له التسهيلات، فإن قرار "تجريم البعث" عبر مشروع القانون المحال للتشريع، يرتقي في خطورته إلى مستوى تهديد الوحدة المجتمعية العراقية. وهذا يرتبط مباشرة بالدور الإيراني، الذي يعمل لتركيب نظام سياسي وفق آليات دستورية تخدم مصالح المشروع الإيراني في المديين القريب والبعيد.
إن من اتخذ قرار حل الجيش العراقي، كان يريد أن يصبح العراق في حالة انكشاف أمني وعسكري من على مداخله كما يريد أن تبقى الدولة العراقية، دولة مهلهلة البنى، غير قادرة على إعادة توحيد الشعب على الأسس الوطنية، وغير قادرة على حماية أمنه الوطني وأمن مواطنيه، ولهذا، كان قرار حل الجيش العراقي، رسالة اطمئنان للعدو الصهيوني، بأن العراق لم يعد باستطاعته أن يرسل جيشه إلى حدود فلسطين، ولم يعد باستطاعته أن يدك الكيان الصهيوني بصواريخه، كما كان رسالة للنظام الإيراني، بأن مداخل العراق الشرقية ستبقى في حالة انكشاف، وبإمكان "إيران" العبور بسلاسة إلى عمق الداخل العراقي، وهذا بعض من ثمن تدفعه أميركا للنظام الإيراني على موقفه من المساعدة على شن العدوان على العراق وبعده الاحتلال وقبله الحصار.
إن إيران التي طربت كثيراً لحل الجيش العراقي الذي الحق هزيمة نكراء بنظامها في حرب الثماني سنوات، ترى أن هيمنتها على العراق لا تستقيم بإسقاط دور الجيش وحسب وجعل العراق في حالة انكشاف عسكري، بل تريد أيضاً، جعل الشعب العراقي في حالة انكشاف وطني، وهذا لا يتم إلا بإفراغه من الخطاب السياسي الوطني ببعديه التحريري والتوحيدي، والذي يعتبر حزب البعث الاداة الأبرز في حمل لواء هذا الخطاب وضخه إلى عموم الشعب لتحقيق حالة الامتلاء الوطني على قاعدة وحدة المواطنة وقومية الانتماء.
من هنا، فإن الاحتلال الأميركي ما ان خرج، حتى بدأ الاحتلال الإيراني من الباطن تنفيذ أجندته الخاصة به حيال العراق، والتي لا يمكن تنفيذها الا بإسقاط حزب البعث دوراً سياسياً ومنظومة فكرية وعليه كان مشروع القانون "بتجريم البعث".
اذاً بالوقوف على حقيقة الأهداف الإيرانية، يتبين بشكل قاطع، أنها أهداف ترمي إلى تطييف الحياة السياسية والمجتمعية، وإعادة تركيب المؤسسات الأمنية تحت الإشراف الإيراني، وجعل الثروة العراقية في خدمة متطلبات الاقتصاد الإيراني، والسيطرة على الحوزة الدينية، وتعميم ثقافة العداء للعروبة، والدخول إلى التاريخ الإسلامي لاعادة كتابته وفق رؤية التشيع الصفوي والاعراف والتقاليد والمفاهيم الفارسية، والتي لا تشوه مفاهيم الإسلام وحسب، بل تشوه مفاهيم التشيع العربي بما هو تعبير عن حالة قيمية إنسانية وأخلاقية.
أمام وضوح هذه الأهداف الإيرانية، ليس مستغرباً أن تحيل أداة المالكي الحكومية إلى مجلس النواب مشروع قانون "تجريم البعث". فهذا وفق النظرية الإيرانية وأن بدت أهدافه المباشرة موجهة ضد حزب البعث، إلى أنه بأهدافه ومراميه الاصلية، هو موجه ضد العراق موقعاً ودوراً وهوية.
وبالتالي، فإن "تجريم البعث"، هو تجريم لهوية العراق القومية، وهو تجريم لوحدة العراق الوطنية وهو تجريم للوحدة المجتمعية، أي بمعنى آخر أنها تجريم لكل الأهداف الوطنية التي يجسدها المشروع الوطني الذي يحمل البعث لواءه. ومن يضع مشروع تجريم البعث، خارج سلة الأهداف الإيرانية وخارج مشروع إكمال مخطط ضرب العراق وعدم تمكينه من النهوض مجدداً، يكون غافلاً عن حقيقة الدور الخبيث الذي ينفذه النظام الإيراني عبر أدواته المسماة عراقية، وحتى يبقى العراق ملحقاً بإيران، لا وزن سياسياً له، ولا حضوراً له ولا موقعاً ارتكازياً في المكون القومي العربي.
لقد اسقط دور الجيش العراقي عبر قرار حله لرمزية وحدة الدولة،واليوم فإن محاولة اسقاط حزب البعث هو محاولة اسقاط لرمزية وحدة المجتمع العراقي، واسقاط لعروبة هذا البلد الذي تعرض لغزو شعوبي في التاريخ الغابر، وهو يتعرض اليوم لغزو مماثل، عنوانها الحملة على عروبة العراق انطلاقاً من الحملة على البعث وبالتالي فإنه ليس البعثيين هم المستهدفون وحسب بل كل من يدعو الى وحدة العراق وحماية عروبته.
ومن هنا تنطلق المواجهة لهذا المخطط الخبيث الاجرامي.