حسن خليل غريب
أوجه الشبه بين المشروع الأميركي ضد العراق قبل الاحتلال،
مع المشروع الأميركي ضد سورية في اللحظة الراهنة.
الاهتمام الدائر الآن حول ملف الأسلحة الكيمائية في سورية شدَّ انتباهي إلى القيام بمقارنة بين ما حصل في العراق منذ ما قبل الاحتلال بسنوات كثيرة، وما يحصل مع سورية اليوم.
كنت قد كتبت مقالاً عن ذلك المشروع، بتاريخ 26/ 1/ 2003، ولأن مهمة استرجاع التاريخ للإفادة منه مسألة ضرورية، وجدت من المناسب إعادة قراءة موقف أميركا من سورية على ضوء مشروع نزع أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها، ورؤيتي لنتائج ما يحصل.
من أجل ذلك، وللمقارنة، أعيد نشر المقال المذكور، وهذا هو نصه:
كي لا يحجب دخان التفتيش عن أسلحة العراق حقيقة الأهداف الأميركية
قاد جورج بوش الأب حرباً عدوانية ضد العراق في العام 1991م. وقرع بيل كلنتون، رئيس أميركا السابق، طبول الحرب ضد العراق. وهذا خلفه جورج بوش يرفع وتيرة التهديد بها.
تحشد أميركا أساطيلها، المحتشدة أصلاً في مياه العرب. وتحشد جيوشها وخبراءها العسكريين، المحتشدين أصلاً على الأرض العربية. أما السبب المعلَن فهو تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل.
قبل خروج آخر مجموعة من الخبراء الدوليين من العراق، في العام 1998م، كانت كل التقارير الواقعية تدل على أن العراق أصبح خالياً من تلك الأسلحة. لذا أخذ يطالب بتنفيذ الشق المتعلق برفع الحصار عنه، وأيدته معظم الدول ذات العضوية في مجلس الأمن. ولما وجد العراق أن الولايات المتحدة راحت تعمل على تعطيل صدور مثل ذلك القرار طلب من المفتشين الدوليين، في العام 1998م بالخروج من العراق.
عبثاً وجدت تلك اللجان بعد مرور ستة أعوام على قيامها بالتفتيش. وكي لا يفك الأميركيون الحصار عن العراق، قبل أن يستجيب لمتطلبات المشروع الأميركي المعادي، اختلقوا الذريعة تلو الذريعة، والاتهام تلو الاتهام لمنع مجلس الأمن من الانتقال إلى بحث الشق المتعلق بفك الحصار. ولما كانت مصالح المشروع المعادي تتناقض مع فكه لجأ الأميركيون إلى افتعال الأزمة تلو الأزمة كتكتيك يمنع مجلس الأمن من الانتقال إلى الشق المذكور.
وتعطيلاً للدور المنوط بمجلس الأمن جدَّد الأميركيون ادِّعاءاتهم باتهام العراق بأنه لم يتخلص من أسلحته كلها.
يعرف العراق تمام المعرفة حقيقة الموقف الأميركي أنه ليس بوارد فك الحصار عنه –سواء كان يمتلك أسلحة أو حتى لا يمتلكها، فالإدارة الأميركية مارست عدوناً عليه من أجل إرغامه على التراجع عن المشروع الأكبر الذي كان يقوم بتنفيذه بدقة، وهو العمل من أجل المشروع النهضوي الوحدوي العربي المدعَّم بأليات لتحديثه على شتى المستويات. وظلَّ رافضاً كل أنواع الضغوط من أجل فرض التراجع عنه.
لما رأت الإدارة الأميركية نفسها عاجزة عن تحويل موقف العراق المبدئي وسوقه باتجاه الاستجابة إلى منطق الهيمنة على المنطقة، وعلى رأسها المحافظة على أمن حليفها المتمثل بالكيان الصهيوني، ولما عجزت عن الحصول من العراق على ما يجعل أصحاب الرساميل الأميركيين مطمئنين على مصالحهم في المنطقة العربية، أعلنت الحرب ضده تحت ستار الأسباب التي عملوا على الترويج لها من أجل جعل العالم يقتنع بصحة ادعاءاتهم.
استناداً إلى ما ورد أعلاه، لا بُدَّ من أن نتساءل: هل حقيقة أن الإدارة الأميركية جادة بتأجيج الحرب ضد العراق؟ أي هل يقوم الأميركيون بشن تلك الحرب أم أنهم غير جادين؟ هل يتعرَّض العراق لضربة عسكرية أم أنه يستطيع أن ينجو منها؟
بين متفائل ومتشائم، بين من يروِّج إلى جدية التهديدات الأميركية ومن يخفف من وطأتها، عشنا في مرحلة الجدل البعيد عن الواقع، وكأن تلك التهديدات جاءت كموجات من الدخان للتعتيم على حقيقة الأهداف الأميركية التي يقومون بالعمل من أجلها وينفذونها بالفعل. فأين تقع حقيقة تلك الأهداف؟
علينا أولاً أن نتساءل: هل التهديدات الأميركية هي المظهر الوحيد للحرب والعدوان؟ وهل الحصار المفروض على العراق إلاَّ نوع من أنواع الحرب الحقيقية؟ وهل برنامج ما يُطلَق عليه »النفط في مقابل الغذاء« إلاَّ وجه آخر من أوجه العدوان والحرب؟ وهل احتضان ما يُسمَّى بالمعارضة العراقية في المنفى إلاَّ وجه واضح من أوجه العدوان يتمظهر بالتدخل بالشؤون الداخلية للدول ذات الاستقلال؟ وهل مطالبة الرئيس العراقي بالتخلي عن الحكم إلاَّ اعتداء سافر على حرية الشعوب باختيار الأنظمة السياسية بنفسها، ومن دون أية ضغوطات خارجية؟ وهل… وهل… وهل… إلاَّ أوجه متعددة من أوجه الحرب والعدوان؟ وهل للحرب والعدوان وجه عسكري فحسب؟
كلها أسئلة نتلهى عن الغوص في تحليلها ونبتعد عن الاعتراف بحقيقة الواقع عن أبصارنا عندما نقوم بالتلهي في لعبة هل ينفذ الأميركيون تهديداتهم أم يؤجلوا التنفيذ؟
إن العراق يتعرض إلى الحرب والعدوان في كل يوم وبواسطة أكثر من وجه. وحتى لا يعمينا دخان التهويل بالحرب العسكرية عن حقيقة الأمر، علينا أن ننتقل إلى حقيقة ما يجري تنفيذه الآن من مخططات.
في الأساس تعمل الإدارة الأميركية من أجل إخضاع العالم كله لوضع دوله في خدمة المصالح الأميركية. وتأتي السيطرة على ثروة الأمة العربية حلقة أساسية في مخططها للسيطرة على مصادر الطاقة، وإذا ما حصلت سوف تقوم الإدارة الأميركية بممارسة ابتزازها على كل دول العالم. ولأن العراق جزء أساسي يحول دون نفاذ المخطط الأميركي وُضع على رأس الأولويات في الاستهدافات العدوانية الأميركية. ولهذا سوف تستمر في ممارسة ضغوطها على قاعدة إذا لم تستطع السيطرة على العراق كله فليكن جله.
فالقضاء على النظام السياسي في العراق يسمح للمشروع الأميركي بالنفاذ وهو الهدف الحقيقي للمشروع المعادي. وإذا حالت وقائع الأمور دون إسقاطه فتكبيل يديه ورجليه ومنعه من الحركة بديل واقعي، وإذا استطاع المشروع المعادي أن يكبل يديه فقط فسيكون الحل الممكن والمستطاع.
عاجزة الإدارة الأميركية عن تنفيذ أي من السيناريوهات التي تسربها إلى وسائل الإعلام، ولو كُتب لواحد منها حظ من النجاح لما تأخرت عن تنفيذه حتى الآن. وبسبب عجزها عن تحقيق الهدف الأساسي فإنها ستعمل –الآن وغداً- من أجل إبقاء العراق مكبلاً، وليس من طريقة أفضل من إبقاء الحصار مفروضاً عليه، ومن إبقاء ميزانيته مرهونة لقراراته بواسطة اللجان الدولية.
وهل تستطيع الإدارة الأميركية أن تُبقي على العراق أسيراً ومكبلاً إذا أعلنت مجموعات التفتيش أنها لم تجد في العراق ما يبرهن على خلوه من الأسلحة / الذريعة الأساسية؟
لمثل هذا السبب سوف ترضى أميركا بالتمديد، شهراً فشهراً، لفرق التفتيش. وفي التمديد تأجيل لفتح ملف استحقاق فك الحصار عن العراق. وماذا تفعل أميركا في تلك المراحل؟
لا شك بأن قرع طبول الحرب سوف يستمر. وفي استمرار قرعها تنشد الولايات المتحدة عدة من الأهداف، ومن أهمها:
1-الحؤول دون فتح ملف فك الحصار عن العراق. ويتم ذلك من خلال إلهاء دول العالم بالعمل من أجل تخفيف حدة الاحتقان العسكري.
2-التعتيم على كل ما يجري من جرائم على الساحة الفلسطينية.
3-إبعاد فتح ملف التسوية للصراع العربي – الصهيوني قبل تطويع الموقف الفلسطيني وإجهاض انتفاضة شعب فلسطين، لأن العدو الصهيوني لن يفتح ملف التفاوض مع العرب، بينما شوكة الانتفاضة الفلسطينية تدمي خاصرتيه.
4-تنفيذ المخطط الأميركي بالاحتلال العسكري المباشر لأراضي دول الخليج العربي، وتدعيم وجودها العسكري المباشر في الدول المتاخمة لآبار النفط، لأنها لم تعد تثق بوسائل الحماية السابقة. فلم يعد يحك الجلد الأميركي إلاَّ أظافره.
استناداً إلى كل ذلك علينا أن لا ندع دخان التهويل بالحرب والعدوان على العراق يعتم على الحقيقة كاملة. فالتهويل بها أو حتى استخدامها بشكل أو بآخر هو من الذرائع الأساسية التي تبرر الاحتلال العسكري الأميركي المباشر للمنطقة. ومن المستحيل على الإدارة الأميركية أن تدع لأنظمة المنطقة ولشعوبها محطة استراحة يفكرون في أثنائها كيف يعملون من أجل إقلاق راحة الأساطيل والجيوش الأميركية حتى ولو بالنقد الكلامي. ولهذا سوف يبقون سيوف الحرب مشرَّعة ضد العراق لتخويف الأنظمة الصديقة لهم.
إلى ماذا تقودنا تلك الحقائق؟
من بعض الحقائق، التي على حركة التحرر العربية أن توليها اهتماماً، أن تعيد صورة الصراع بين المشروعين القومي النهضوي التحرري والاستعماري الامبريالي إلى حقيقته. وهو إخراج مسألة تأييد العراق، وكأنها مسألة وطنية إلى دائرتها القومية، لأن المقصود من ممارسة الضغط على العراق السيطرة على الأمة العربية كاملة. وعليه يصبح من مهمات حركة التحرر العربية أن تربط النضال على الساحات الوطنية بالنضال من أجل فك الأسر الذي فُرض على العراق، لأن في إطلاق طاقاته مخزوناً ثورياً صلباً لحركة التحرر العربية بشتى اتجاهاتها وفصائلها. لذا يأتي إطلاق شعار المقاومة العربية الشاملة في كل قطر عربي من أهم الوسائل التي تناهض المشروع الإمبريالي وتقف في وجه إحكام قبضته على المنطقة العربية، والتي تنتشر مظاهرها بمثل سرعة انتشار بقعة الزيت.