منصور الجمري
الحديث عن «حوار التوافق الوطني» في البحرين منذ 10 فبراير/ شباط 2013 صاحبته حملات أمنية متواصلة وإصدار أحكام طويلة الأمد، إذ بلغ عدد الذين حُكم عليهم لفترات سجن طويلة جداً أكثر من 500 شخص منذ بدء هذا الحوار، والعدد يرتفع أكثر كل يوم. في الوقت ذاته، يستمر منع الحكومة لمقرر الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب خوان مانديس من زيارة البحرين بحجة عدم عرقلة «الحوار»، هذا في الوقت الذي تزداد حدة الحملات الإعلامية والخطاب المستخدم في التحشيد من كل جانب، ما يجعل الحديث عن الحوار نوعاً من «السريالية»، إذ إن «مضمون» ما يجري على أرض الواقع يختلف بصورة جذرية عن «شكله الظاهري».
الواقع المعقد عالمياً وإقليمياً، وانسداد آفاق الحل السياسي محلياً، جميع ذلك ولّد حالة من التشدد، أدت إلى تراجع الأفكار التي كانت مطروحة بقوة في يونيو/ حزيران الماضي من أجل حلحلة الوضع سياسياً. وأعتقد أن أحد الأسباب في تراجع تلك الأفكار هو ما حدث في مصر في نهاية ذلك الشهر، إذ كانت هناك دعوة للتمرد على حكومة الرئيس المخلوع محمد مرسي، ومن ثم تدخل الجيش وعزل مرسي، واستلم زمام المرحلة الحالية.
وفي البحرين، سارع بعض المعارضين لتقليد دعوة «تمرد»، ولكن ما حدث في مصر انعكس على البحرين بصورة مقلوبة، وانتهينا إلى استدعاء المجلس الوطني من أجل مباركة كل الخطوات التي اتخذتها، أو ستتخذها، السلطة ضد المعارضة، سواء كانت تلك التي دعت إلى أعمال احتجاجية، أو تلك التي التزمت بالإطار الصارم المفروض على نشاط الجمعيات السياسية… وتصاعد الأمر إلى اعتقال القيادي في جمعية الوفاق خليل المرزوق.
وحالياً، فإنه لا يبدو في الأفق أي تحرك جاد لتنشيط الأفكار التي كانت ستوجه الساحة نحو الانفراج، وهناك على ما يبدو رغبة في «انتظار» مجريات الأمور، وفي الوقت ذاته تتم الاستفادة من هذا الانتظار في تنفيذ المزيد من الإجراءات المشددة وتغليظ العقوبات وتصعيد الاتهامات بحسب سيناريوهات يقترب بعضها من الخيال… إن كل ذلك ليس تضييعاً للوقت فقط، وإنما هو أيضاً تبذير للطاقات وتعقيد لفرص الخروج من الأزمة السياسية التي طالت كثيراً.