سلمان سالم
في هذه الأيام كثرت العبارات والكلمات الرنانة، وذات القيمة الأخلاقية والإنسانية والوطنية التي تستهوي النفوس وتدغدغ المشاعر الإنسانية، التي تصدر من وزارة التربية والتعليم في اللقاءات والمؤتمرات التربوية، التي هدف قولها كما يبدو للتصفيق الحار من المشاركين في تلك المؤتمرات، وليس من أجل التطبيق الفعلي لها.
فما أجمل كلامها وتعريفها لمفهوم تكافؤ الفرص في الصحافة المحلية، الذي يجعل من لم يطلع على حقيقة ما تمارسه في الواقع العملي المؤسف وما تتعامل به مع التربويين والطلبة المتميزين، يصفق إليه بحرارة من دون إرادته. وما أجمل العبارات والمفردات الراقية التي أوردتها في الكلمة التي ألقتها أمام المؤتمرين عن مفهوم المواطنة. ولا نلوم من تحمسوا لها وراحوا يصفقون لقائلها بحرارة، لأنها لم تطلعهم على واقع حال هذه الكلمة في تعييناتها وتوظيفها وترقياتها ومكافآتها وحوافزها وإجراءاتها التعسفية من فصل وتوقيف عن العمل واستقطاعات من الرواتب وتغيير المراكز التربوية، التي تخالف مخالفة صريحة في مجملها وتفاصيلها الإنسانية والمهنية، الأعراف الدولية والقوانين المحلية معاً، وهو ما مارسته ضد التربويين من الاختصاصيين والإداريين والمعلمين الأوائل والمعلمين من مختلف المراحل الدراسية.
الذين استهوتهم هذه الكلمات لم يسمعوا عن نوع الأسئلة التي توجّهها الوزارة في مقابلاتها الشخصية التي تجريها للمتقدمين للترقية من معلم إلى معلم أول، أو من معلم إلى مدير مساعد، أو من مدير مساعد إلى مدير. فمن ضمن الأسئلة التي تطرح على المتقدمين للترقية: كم عدد المثلثات في علم البحرين؟ وقس على هذا السؤال وضع المقابلات الشخصية، فما دلالات هذا السؤال يا ترى؟ هل له دلالات تربوية أم له دلالات نفسية يعاني منها السائل نفسه؟
المصيبة أنها لم تستثنِ حتى طلبة الجامعة التي لم تلتفت لحظة واحدة حين قامت باستهدافهم بقسوة، وحين أصرت على حرمانهم من مواصلة دراستهم، وحين دفعت بهم إلى السجن أو الفصل من الدراسة والطلب من أولياء أمور طلبة كلية المعلمين بدفع غرامات مالية لكل فلس دفع إليهم. وطُلب من بعضهم ممن كانوا على مشارف التخرّج، دفع أكثر من ثمانية آلاف دينار، كل ذلك من أجل أن تتملص من تعهدها لهم الذي أخذته على نفسها، بأن تقوم بتوظيفهم في وزارة التربية والتعليم. أهكذا يُتعامل مع مفهوم المواطنة الذي تقدّمه بأجمل التعريفات في مناهجها الدراسية، وتتعامل معه خلاف متطلباته الوطنية. ولم يفلت من ذلك حتى طلبة الثانوية المتفوقون، الذين بذلوا في المرحلة الثانوية الجهود المضنية في سبيل الحصول على معدلات تراكمية متقدمة، ولم تحصل على مبرر لحرمانهم أو إبعادهم عن التخصصات المهمة التي يرغبون في دراستها، والتي يحتاج إليها الوطن، إلا باستحداثها فكرة «المقابلات الشخصية»، وتخصيص 40 في المئة من معدلاتهم الأكاديمية لها، وجعل 60 في المئة للتحصيل الأكاديمي! وفي هذا الحال قد يصبح معدل الطالب الذي حصل على معدل تراكمي 98 في المئة معدله 88,8 في المئة لو حصل في المقابلة الشخصية على 30 درجة وفي التحصيل الأكاديمي على 58,8 درجة. فبهذه القسمة الضيزى قد يحرم الطالب من حقه في البعثة الدراسية ومن الرغبات الأولى التي كانت من أمنياته وأمنيات أسرته التي تعبت وسهرت من أجل الوصول إليها، كما حدث في العام الدراسي 2012-2013 لأكثر من 166 من المتفوقين الحاصلين على نسب تراكمية ما بين 95 و98 في المئة، ولم تحقق رغباتهم الأولى من البعثات. وتم رصد سبع حالات للمتفوقات اللواتي حصلن على تخصص الطب البشري في الجامعات المحلية، ومعدلاتهن تتراوح بين 94 و97 في المئة، في حين أن بعض الخريجات المتفوقات اللواتي حصلن على معدلات أعلى لم يحصلن على رغباتهن في تخصص الطب البشري.
كل التوجسات والشكوك والشكاوى التي تكرّرت في الأعوام السابقة، والتي لم تكلف الوزارة نفسها في التحقيق فيها ومعالجتها، كل المشاكل في البعثات الدراسية ناتجة من عدم شفافيتها، والكل قرأ تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق الذي صدر في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 الذي انتقد بشدة البعثات، واعتبر إجراءاتها التعسفية يشوبها التمييز.
بعد كل الملاحظات التي تسجل على وزارة التربية والتعليم محلياً وعالمياً في مسألة البعثات، أصبح من الضروري أن تكون الجهة التي تدير البعثات جهة مستقلة، لإنهاء هذه المشكلة التي تؤرّق أسر المتفوقات والمتفوقين من الطلبة والطالبات في عام دراسي، ويعطى كل متفوق ما يستحقه من الرغبات الدراسية، التي تحقق للوطن متطلباته في مختلف التخصصات المتقدمة.