سبتة ومليلة مدينتان مغربيتان عربيتان تخضعان للاحتلال الاسباني.
لم يحدث أبدا في يوم من الأيام أن تخلت قيادة المغرب والشعب المغربي بأسره عن المدينتين المحتلتين، وعن الإصرار على المطالبة بإنهاء الاحتلال الاسباني وعودة المدينتين والجزر الأخرى المحتلة المجاورة، الى الوطن المغربي الأم.
لسنا هنا في معرض الحديث عن مغربية وعروبة سبتة ومليلة. هذا على أية حال أمر تحفظ أدلته حقائق التاريخ والجغرافيا وحقائق الهوية والانتماء، والدور الهائل الذي يسجله التاريخ للمدينتين وعلمائهما العرب المسلمين، ودورهما الجهادي في تاريخنا العربي الاسلامي، وبالاخص في فتح الاندلس.
نقول هذا تعليقا على ما حدث في الأيام القليلة الماضية.
والذي حدث ان رئيس وزراء المغرب عباس الفاسي في خطاب امام البرلمان، اعاد تأكيد الموقف المغربي الثابت ، ودعا اسبانيا "الى الحوار مع المغرب من اجل انهاء احتلال المدينتين المغربيتين والجزر السليبة المجاورة لهما وفق منظور مستقبلي". واضاف ان "تجاهل حق المغرب في استرجاع المدينتين لا يساير روح العصر وعلاقات حسن الجوار والشراكة بين المملكتين المغربية والاسبانية".
اذن، رئيس الوزراء المغربي عبر عن موقف وطني متحضر بدعوة اسبانيا الى الحوار والتفاوض لانهاء احتلال المدينتين.
فماذا كان رد الفعل الاسباني؟
ماريا تريزا ، نائبة رئيس الحكومة الاسبانية اشارت الى العلاقات الجيدة الطيبة التي تربط البلدين، وأضافت ان "السيادة والطابع الاسباني لسبتة ومليلة ليسا مطروحين للنقاش في أي شكل من الاشكال".
إذن، المنطق الاسباني هنا يقوم على ان الاسبان يريدون افضل العلاقات الطيبة مع المغرب، ولكن على اساس ان يسلم المغرب باحتلال المدينتين، والا يثير الموضوع اطلاقا، والا يطالب المسئولون المغاربة حتى بالحوار او التفاوض حول القضية.
كما نرى، هذا المنطق الاستعماري الاسباني، هو، وبشكل حرفي ، نفس المنطق الاستعماري الايراني في التعامل مع قضية جزر الامارات المحتلة.
ففي كل وأي مرة يثير فيها أي مسئول اماراتي او عربي قضية الاحتلال الايراني لجزر الامارات، ويطالب بانهاء الاحتلال اما عبر الحوار والتفاوض المباشر واما عبر التحكيم الدولي، يسارع المسئولون الايرانيون على الفور باعلان ان الجزر هي ايرانية الى الابد، وانه حتى التفاوض او الحوار المباشر غير مقبول، وانهم في نفس الوقت يريدون افضل علاقات حسن الجوار بين ايران والامارات والدول العربية.
طبعا ، لسنا بحاجة الى القول إن هذا المنطق الاستعماري سواء في حالة سبتة ومليلة او في حالة جزر الامارات، هومنطق ينطوي على غطرسة وعلى عنصرية مقيتة، وعلى استخفاف واستهانة بالمصالح والمشاعر العربية.
هو في الحقيقة منطق ارهاب استعماري.
على العموم هذا هو منطق الاحتلال في كل زمان ومكان.
وقد غضب الايرانيون مثلا واثاروا ضجيجا هائلا عندما اشار وزير خارجية الامارات الشيخ عبدالله بن زايد الى ان احتلال ايران لجزر الامارات هو في النهاية احتلال مثل الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية ، وان الاحتلال هو احتلال.
ورغم الغضب الايراني، نعرف جميعا ان هذا المنطق الاستعماري الاسباني والايراني هو في حقيقة الامر نفس المنطق الاسرائيلي. الاسرائيليون ايضا يريدون من الفلسطينيين والعرب ان يتركوا لهم الارض العربية ليحتلوها الى الابد، لكنهم في نفس الوقت يريدون من العرب ان يقيموا سلاما وعلاقات طبيعية مع اسرائيل.
للأسف الشديد ما كان لمثل هذه القوى ان تحتل اراضينا العربية وتتجرأ علينا في نفس الوقت بهذا الشكل ، لولا فرقة الامة وعجزها عن التوحد دفاعا عن اراضيها ومصالحها عامة.
لكن في نفس الوقت لا ينبغي ان يغيب عن بال احد ان هذا المنطق الاستعماري الذي يحدثوننا به اليوم هو منطق لم يحدث ابدا ان كان هو المنطق الذي يحكم حركة التاريخ.
المنطق الذي يحكم حركة التاريخ في الماضي وفي المستقبل ايضا ، هو ان الحق حق، والباطل باطل وهو بالضرورة الى زوال. والاحتلال في تاريخ كل الأمم والشعوب هو ابشع صور الباطل.
منطق التاريخ هو انه "لا يضيع حق وراءه مطالب".
وغدا لن يكون حال امتنا هو حالها اليوم.
أعني انه في الغد القريب أو البعيد لا يهم، سوف تعود سبتة ومليلة مغربيتين، وسوف تعود الجزر الى الامارات. كما ان فلسطين سوف تعود لأهلها حتما.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.