المشهد السياسي البحريني متقلب كعادته، لا يمكن إدراكه أو اللحاق به واستيعابه. بوادر حلحلة الأزمة تلوح في الأفق الدبلوماسي، ولكنها تتأزم على أرض الواقع.
تصريحات وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، كانت صريحة جداً، واضحة، وضع يده في الكثير من مفاصلها على الجرح بعد أن تلمسه، عبّر عن سياسة مختلفة، ومفاهيم مغايرة لما يحدث على أرض الواقع البحريني.
تصريحات وزير الخارجية عبر صحيفة «الشرق الأوسط» مختلفة عن التصريحات الرسمية السابقة وحتى تصريحاته هو شخصياً، وكانت عباراته «باردة دبلوماسياً» ولكنها بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي «الساخن» المعاش فعلياً، ومع ذلك فهي تعكس حقيقة توجهات رسمية جديداً وإن كانت دبلوماسية حتى الآن.
أهم ما تناوله وزير الخارجية هو تأكيده على أن «مستقبل البحرين في دولة مدنية». وكان خطابه واضحاً وصريحاً، بأن البحرين مازالت تحلم بأن تكون دولة مدنية، وهذا يأتي معاكساً للكثير من تصريحات مسئولين في الدولة، بأن البحرين «دولة مدنية» منذ زمن طويل!
وزير الخارجية أكد على أن «السنة والشيعة بحاجة إلى الدولة المدنية، مسلمون ويهود ومسيحيون يحتاجون إلى دولة مدنية تحفظ حقوق الجميع. نريد أن نصل إلى الدولة المدنية بحق وحقيقة».
كلنا نريد الوصول إلى هذه الدولة المدنية، ولكن ما هو المانع من وصولنا إليها، الناس التي تطالب بها في الشوارع أو المعارضة أو الحكومة، نحتاج إلى جواب واضح من الوزير؟ ومن هو المعيق للوصول إلى الدولة المدنية المنشودة؟ خطاب وزير الخارجية يأتي منسجماً مع خطاب المعارضة التي تطالب بالانتقال بالدولة من وضعها الحالي لتكون دولة مدنية، يكون فيها الشعب مصدر السلطات، عبر حكومة منتخبة، وبرلمان كامل الصلاحيات، وقضاء مستقل ودوائر عادلة يكون فيها المواطنون سواسية كأسنان المشط لا فرق بين محرقي وستراوي ولا رفاعي ودمستاني.
«المنطقة تغلي»، عبارة تمسّك بها وزير الخارجية، وأكد على أن لشعوب المنطقة «تطلعات ومطالب حقيقية، وأن شعب البحرين ليس جديداً في طرح المطالب، وأنه شعب عريق وله تاريخ عريق في الوطنية».
عبارات وزير الخارجية كانت منتقاة بدقة وذات مضامين واضحة أولها أن التغيير قادم لا محالة، وأن للشعوب حقوقاً، وأن تاريخ شعب البحرين تاريخ وطني، ليرد بذلك على الكثير من المسئولين، والأقلام «غير العاقلة» التي تتهم جزءاً كبيراً من الشعب بـ «العمالة والخيانة»، لأنهم فقط تمسّكوا بمطالب مشروعة وحقوق عادلة.
في الاتجاه الآخر والمعاكس نجد خطاب وزير الخارجية الدبلوماسي يصطدم مع خطاب ولغة نعايشها على الأرض، وتزدحم حولنا من كل جانب.
الخطابان، الدبلوماسي الخارجي والواقع الداخلي متناقضان يكشفان أن البلد يعيش بين الدبلوماسية الراغبة في لملمة الأوراق وتداركها دولياً قبل فوات الأوان، وبين الواقع الداخلي الذي يتجه نحو فرض «الأمر الواقع» عبر القوة.
بين الخطابين تتضح صورة الانقسام بين «الدولة المدنية» المستقبلية في خطاب وزير الخارجية، و «الدولة الأمنية» في خطاب الواقع المحلي، وبين الخطابين سنجد الكثير من التأزيم، والصراع، وقوة التعامل، وفرض الهيمنة، وتفعيل أقلام التخوين والتسقيط، وهي أمور قد لا تستطيع وحدة الدبلوماسية الخارجية أن تواجهها، إذ تحتاج إلى قرار سياسي داخلي يدعمها
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3311 – السبت 01 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي القعدة 1432هـ