تمر علينا هذه الأيام الذكرى الحادية والخمسين لانتفاضة مارس الخالدة التي فجرها شعبنا الأبي في شهر مارس عام 1965، مسجلا بذلك صفحة مضيئة جديدة من صفحات تاريخنا الوطني النضالي ضد الاستعمار والفساد والاستبداد، متطلعا نحو الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والمساواة والانعتاق من الظلم والجور مسترخصا من أجل هذه الأهداف النبيلة الكثير من التضحيات ما بين الشهادة والاعتقال والإبعاد عن الوطن .
فقد كانت انتفاضة مارس تمثل بحق إحدى المحطات الهامة في مسيرة شعبنا النضالية، وقد جاءت متزامنة مع انطلاقة الوعي الوطني والقومي التحرري في العديد من الأقطار العربية في مواجهة الاستعمار ومرتكزاته السياسية والاجتماعية، وبذلك كانت انتفاضة مارس صرخة في وجه جور وتعسف المستعمر أطلقها شعب البحرين بعفوية قبل أن تتفاعل معها القوى الوطنية من التنظيمات القومية والتقدمية واليسارية، والتي باشرت التخطيط وقيادة التظاهرات والاحتجاجات التي عمت مناطق عديدة من البحرين .
لقد كانت السياسات والقرارات الجائرة بحق القوى العاملة البحرينية هي الشرارة التي ألهبت مشاعر شعب البحرين عندما أقدمت شركة النفط (بابكو) على فصل مئات العمال، فصلا تعسفيا، دون وجه حق فاتحة بذلك أبواب الغضب الشعبي للخروج في مسيرات شارك فيها العمال والطلبة والمرأة وقطاعات كبيرة من الشعب البحريني وهي مؤمنة بعدالة مطالبها التي قابلها المستعمر وأعوانه بكل وحشية ولجأ إلى استخدام الغازات الخانقة والرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل، سقط على أثرها عدد من الشهداء الأبرار الذين روت دمائهم الزكية أرض المحرق وسترة والمنامة والديه في واحدة من أجل وأبهى صور وحدة شعبنا، التي كانت وستظل الصخرة التي تتحطم عليها كل مخططات المستعمر ومحاولاته في إشعال نار الفتن الطائفية والمذهبية.
وإذ نستذكر اليوم هذه الانتفاضة وبطولات وتضحيات شعبنا، نجد أنفسنا مطالبين باستحضار كل القيم والمبادئ والأهداف الوطنية التي جسدتها هذه الانتفاضة، خاصة وإن وطننا قابعا منذ خمسة أعوام في أزمة سياسية ودستورية واجتماعية في ظل غياب أي أفق أو أية خطوات ايجابية تجاه مطالب الشعب المشروعة وتجاه قضايا الإصلاح السياسي والدستوري والحقوقي والمعيشي التي كانت وراء تفجر هذه الأزمة، مع الإصرار على المضي في خيار القبضة الأمنية وتراجع مستوى الحريات، وتعاظم مظاهر الفساد، مما ساهم في إدخال البلاد في أزمة اقتصادية تناسلت منها أزمات معيشية في العديد من القطاعات ومنها الإسكان والبطالة والتعليم والصحة وتراجع القدرة الشرائية التي أضافت أعباء ثقيلة وخانقة على المواطن.
وإذ نجدد اعتزازنا بتضحيات شعبنا في كل مراحل نضالاته الوطنية وتأكيد انحيازنا التام والمطلق إلى جانب مطالبه العادلة وأهدافه المشروعة فأننا نؤكد على ما يلي:-
نقف بإجلال وإكبار أمام تضحيات شعبنا وكل ما قدمه على طريق الحرية والعزة والكرامة، ونشيد بالدور الذي لعبته القوى القومية والتقدمية في قيادة ورفد انتفاضة مارس المجيدة، ونستذكر بكل معاني الوفاء شهداء الوطن.
نجدد في هذه الذكرى مرة أخرى وقوفنا التام إلى جانب شعبنا في نضاله وحقوقه المشروعة التي كانت وراء تحركه منذ عقود والتي جددها في حراكه الوطني في فبراير 2011 وندعو إلى ضرورة الاستجابة إلى هذه المطالب عبر إطلاق عملية إصلاحية سياسية تقود بلدنا وشعبنا إلى بناء مملكة دستورية حقيقية كما بشر بها ميثاق العمل الوطني الذي توافق عليه الشعب والقيادة السياسية ووضع أسس الديمقراطية التي تصون الحريات وتعلي من قيم التسامح والعدالة والمواطنة المتساوية، والعمل على تشييد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
نؤكد على مواقفنا الثابتة والمبدئية في التمسك بالنهج الوطني والسلمي في تحركاتنا ومطالبنا ورفضنا كل أشكال العنف والتطرف مهما كان حجمه أو مصدره، كما نؤكد تمسكنا بالحوار كخيار استراتيجي ومنهج عمل في إطار رؤيتنا الوطنية للحل السياسي لكل الأزمات الراهنة بعيدا عن أيه توجيهات فئوية أو اصطفافات طائفية.
نؤكد على تمسكنا بوحدتنا الوطنية وحمايتها من الأخطار والصراعات التي تشهدها المنطقة، حيث تتزايد هذه المخاطر والتداعيات الكارثية لها، في ظل الحروب الإقليمية والنزاعات الطائفية، الأمر الذي يفرض علينا جميعا تهيئة السبل أمام عودة الوئام والانسجام بين أبناء الوطن بكل أطيافه ومكوناته الاجتماعية وتحصين وضعنا الداخلي سياسيا واجتماعيا وأمنيا.
نجدد دعوتنا إلى السلطات لمراجعة المسار الراهن الذي يزيد الوضع احتقانا وتعقيداً ،وضرورة السعي إلى إيجاد حلول واقعية وإنسانية لكل الأزمات التي يعاني منها بلدنا والعمل على بلورة صيغة وطنية توافقية تستجيب لكل مطالب ومظالم شعبنا، وتفتح آفاق المستقبل أمام تطور الوطن ديمقراطياً عبر تجديد انطلاقة العملية الإصلاحية السياسية، بالزخم الذي يتفق مع حجم التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها بلدنا.
نؤمن بأن خيار التلاقي مع المطالب الشعبية العادلة والمستحقة يمثل أقصر الطرق وأفضلها لتجاوز حالة الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي والطائفي، والتأزم الاقتصادي، خصوصا مع تنام مظاهر التراجع في مسار الإصلاح السياسي ووقف التطور عند بعض الإنفراجات الشكلية.
نؤكد أن الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية هي عنوان العمل السياسي الوطني القادر على حفظ أمن واستقرار بلدنا وحفظ كرامة المواطن، وهو ما يجعلنا نطالب بإطلاق حرية العمل السياسي وتجنب أية قرارات أو إجراءات تزيد من تضييق الخناق على الجمعيات السياسية وملاحقة قادتها ورموزها عبر الاعتقالات والمحاكمات السياسية، الأمر الذي يتطلب البدء في عملية تبريد امني وسياسي عبر الإفراج عن معتقلي الرأي والضمير والتطبيق الفعلي لتوصيات اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي، والشروع في العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية التي من شأن تطبيقها تحصين بلادنا من تداعيات الاحترابات الإقليمية، ويبعدها عن التدخلات الخارجية والاختراقات الإرهابية، ويعزز السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
الحرية للمعتقلين السياسيين
قوى التيار الوطني الديمقراطي
القومي – وعد – التقدمي
5 مارس 2016