تمر هذه الأيام ذكرى هزيمة الخامس من (حزيران) يونيو 1967، وما نجم عنها من احتلال صهيوني لأراضي عربية جديدة، وتراجعات وأنكسارات في العمل القومي العربي، كشفت فيما كشفت عن هشاشة النظام الرسمي العربي وشعاراته الزائقة، كما قادت فيما بعد الى مجازر أيلول وتنامي مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية.
لقد مثلث القضية الفلسطينية ولا تزال جوهر الصراع العربي – الصهيوني، حيث عملت قوى الإمبريالية العالمية وربيبتها الصهيونية على تجزئة الوطن العربي وتفتيت قواه التحررية والتنموية في آتون هذا الصراع، وأشكاله المختلفة، ومشاريع التسوية الاستسلامية التي سعت للترويج لها وفرضها على العرب أبتداءا بشروع روجرز بعد هزيمة حزيران 1967 وانتهاءا بما بات يطلق عليه بخارطة الطريق، وهي خارطة ضياع الحق العربي. وتدرك تلك القوى أن بقاء هذا الكيان الغاصب هو ضمانة كبرى لبقاء سيطرتها على مقدرات وثروات الوطن العربي، وتعطيل مشروع النهضة العربية.
وانطلاقا من هذا الفهم، خاضت جماهير الأمة وقواها المناضلة معارك تحرير فلسطين ودعم المقاومة الباسلة ورفض مشاريع التسوية كطريق لاستعادة وحدة الأمة وتحررها من رقبة الاستعمار والنهوض الحضاري والتنموي من جديد. وسعيا من قوى الإمبريالية والصهيونية لإفشال هذا المعارك، عملت على ترتيب شتى المخططات لضرب نظام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الوطني والقومي التحرري، كما أدخلت بعد رحيله النظام المصري في دوامة الارتهان السياسي والاقتصادي لمخططاتها، وأطلقت يد العدوان الصهيوني على المقاومة في لبنان، ومحاصرة سورية، كما وسعت من أشكال هيمنتها الاقتصادية على ثروات دول المنطقة، كما عملت على زج العراق – كقوة عربية تحررية متنامية وذي مشروع عربي قومي مكرس لتحرير فلسطين ووحدة الأمة وتحررها – في سلسلة من المعارك ابتداءا بمعارك الشمال، ثم تمديد حربه مع إيران لأكثر من ثماني سنوات، واستدراجه لحربه مع الكويت، وأخيرا تحشيد كل قواها العسكرية والتكنولوجية الغاشمة لاحتلال أراضيه بالقوة والفتك بشعبه والتدمير الحاقد لكافة مقدراته وبناه التحتية، بعد أن أنهكته بحصار بشع دام لأكثر من 13 عاما.
وهاهي اليوم تتكشف الأهداف الحقيقة لهذا الإصرار الحاقد لقوى الإمبريالية والصهيونية على تدمير العراق، فلم يكن هناك أي أسلحة للدمار الشامل، ولا قوى للإرهاب، وإنما مخططات لضرب المشروع التحرري لهذا البلد الموجه أساسا لتحرير فلسطين، ونهب ثرواته وتنصيب الخونة والمرتزقة للتحكم في مقدراته. الا أن العراق بما يختزنه من قوى حية تمرست عبر عقود على المواجهة والإصرار على مواصلة تنفيذ مشروعها التحرري، فاجأ الأمة كما فاجأ العالم بمقاومته الباسلة الصلبة التي وضعت في اعتبارها خوض حرب طويلة الأجل لاستعادة حرية العراق وطرد قوات الاحتلال، بل وان تضع لنهايته في العراق حدا لاحتلاله لفلسطين وهيمنته على مقدرات الأمة ومشروعها الحضاري.
لقد بدى واضحا وبفعل عمليات المقاومة الفلسطينية والعراقية الباسلة، وإتساع رقعتها وضرباتها الموجعة في مدن القدس وغزة وحيفا ويافا والنجف وكربلاء وبغداد والفلوجة والكوفة والموصل والبصرة وغيرها، أن مشاريع التسوية في فلسطين والهيمنة في العراق تواجه فشلا دريعا، وأن مأزق الاحتلال في كلا القطرين العربيين يتعمق يوما بعد آخر عسكريا وسياسيا، فخرج الإرهابي شارون بمشروع أنسحابه الوهمي من قطاع غزة وبناء الجدار العازل، بينما خرج مجرم الحرب بوش وتابعه بلير بمسرحية تسليم السلطة للعراقيين وفرت لها الأمم المتحدة من خلال مبعوثها الخاص بعض الغطاء الذي يؤكد مرة أخرى التبعية والهيمنة الأمريكية على القرار الأممي وتسخيره في خدمة مخططاتها الاستعمارية كما حدث بالنسبة لكافة القرارات الأخرى المتعلقة بفلسطين والعراق. أن هذه المسرحية ما هي الا محاولة يائسة وخائبة أخرى يعيد الاحتلال إنتاج نفسه فيها عبر صيغة من صيغ العمالة والارتهان لا تختلف في عناوينها وتفاصيلها ورموزها عن الصيغ القديمة التي أوجدها الاحتلال مثل مجلس الحكم العميل وملحقاته فيما عرف بقانون الدولة العراقية ومسرحية نقل السلطة، والتي تتوج اليوم بهياكل وواجهات صورية يديرها شخوص تمرسوا على فعل الخيانة والخنوع، وأشكال وهمية خلقها الاحتلال على أسس مذهبية وعرقية هدفها تفتيت وتقسيم الوطنية العراقية أولاً واستهداف عروبة العراق ثانياً…
وإذ يحي التجمع القومي الديمقراطي بكل إجلال وإكبار المقاومة الباسلة في فلسطين والعراق، كونها تعبر أصدق تعبير عن جوهر الأمة ونزوعها للتحرر والانعتاق، ورفضها كافة مشاريع الذل والاستسلام، فأننا نجدد مطالبتنا للنظام العربي الرسمي أن يكف عن تورطه وتواطئه في ضرب هذه المقاومة، فلقد بات واضحا أن الإمبريالية الجديدة لن تستثني أحدا، وما إطلاق مشروع الشرق الأوسط الكبير، وعمليات إثارة الرعب والإضطرابات الأمنية والاجتماعية والقتل للمواطنين الأمنين في عددا من الدول العربية الا دليلا واضحا على ذلك، ويدعو التجمع كافة القوى السياسية والمجتمعية الخيرة في الوطن العربي الى الضغط على المؤسسات الرسمية العربية للخروج من حالة الوهن والذل التي تعيشها.
في هذه الذكرى الأليمة، ذكرى الخامس من حزيران (يونيو) يؤكد التجمع القومي الديمقراطي موقفه الثابت والمنسجم مع الدفاع عن القيم الوطنية والقومية في رفض الاحتلال وكل تداعياته وإفرازاته في فلسطين والعراق، وسوف لن تنطلي علينا أساليب الخداع والتظليل ولو استخدمت إدارة العدوان والاحتلال كل الأغطية العربية والإقليمية والدولية، فالقضية في فلسطين ليس انسحاب من غزة، كما أن القضية في العراق ليست نقل السلطة من غير مضمون مع بقاء الاحتلال جاثماً على أرض العراق لإذلال شعبه ونهب خيراته، بل هي معركة تحرير وطني وقومي، لذلك سوف يبقى خيارنا دائماً وابداً مع المقاومة من أجل تحرير فلسطين والعراق بدعم وتلاحم جماهير أمتنا وقواها الحية وكل الشعوب الحرة المناهضة للعدوان والاحتلال.
عاشت فلسطين حرة عربية من النهر الى البحر
عاش العراق حراً أبياً..
المجد والخلود لشهداء العراق وفلسطين والامة العربية..
عاشت المقاومة الفلسطينية والعراقية الباسلة..
التجمع القومي الديمقراطي
المنامة 4 يونيو 2004