في الرابع عشر من شهر أغسطس من عام 1970م تم إعلان البحرين دولة عربية مستقلة ذات سيادة، حيث صدر قرار تاريخي بذلك عن هيئة الأمم المتحدة، ولم يكن هذا القرار إلا نتاجاَ للملحمة التاريخية لشعب البحرين، إذ وقف أبناء البحرين جميعاً مؤكدين على حقيقة واحدة، وهي " عروبة واستقلال وسيادة البحرين "، هذه الحقيقة التي لا تحتاج إلى شواهد ولا إلى حقائق. وهذه الوقفة التاريخية أسقطت المطالبات غير المشروعة للإمبراطوريتين البريطانية والإيرانية حول أحقية كلٍ منهما بالبحرين. لم يكن هذا القرار التاريخي الأممي منحة من أحد ولا هبة، ولا هو قائم على تصفية النزاع بين الإمبراطوريتين تم بموجبه سلخ البحرين منهما قسراً، فالبحرين ومنذُ القِدم هي مملكة عربية وقبل الإسلام، يمتد ترابها من جزيرة البحرين إلى عُمان فالبصرة.
تمر الذكرى الثامنة والعشرون لذكرى استقلالنا الوطني، حيث تزداد حاجة شعبنا يوم بعد آخر إلى حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي تطال جذور الأزمات التي تهدد اللبنات الديمقراطية، ومعيشة المواطن ورزقه ومستقبل الأجيال القادمة، وللأسف فأننا نشهد عوضا عن ذلك تراجع في الحريات العامة والتضييق على حرية مؤسسات المجتمع المدني، بل أيضا على صعيد الإصلاح الاجتماعي حيث باتت الطائفية البغيضة أخطر حقيقة تواجه الوحدة الوطنية ومستقبل الوطن، وكذلك الإصلاح الاقتصادي حيث تتردى أحوال المعيشة بفعل الزيادات الفاحشة في أسعار المواد الغذائية والسكن والخدمات وتدني الأجور على الرغم من زيادة الموارد البترولية. كما تواجه العديد من القطاعات العمالية والمهنية مصاعب جمة في نيل حقوقها.
لقد سلطت تجربة البرلمان ازمة التركيبة الطائفية للبرلمان، وعجزه الدستوري والتشريعي والرقابي، حيث جاءت حصيلة أداءه مخيب للأمال، بل أدى إلى المزيد من الأصطفاف الطائفي الذي انعكس بدوره على دوره في المحطات الرئيسية التي واجهته سواء المتعلق منها باستجوابات الوزراء أو التعديلات الدستورية أو التشريعات الاقتصادية والاجتماعية التي تمس حياة المواطنين وحاضر الوطن.
كما نعيد تأكيدنا في هذه المناسبة على ضرورة قيام تنسيق وتعاون بين القوى الوطنية المؤمنة بأهداف الشعب ومطالبه، بشرط بناء برامج العمل المشتركة بعيدا عن الاصطفاف والنفس الطائفيين، وأن تنصب هذه البرامج على تصليب الموقف السياسي من مجمل القضايا الوطنية على أسس ديمقراطية وسلمية بعيدة عن كافة أشكال التخندق والطائفية والعبث بأمن الوطن.
في هذا اليوم، تتجدد المطامع الأجنبية بأرضنا، ولكن بأشكال جديدة حيث الصراع على المصالح والنفوذ بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني على المواقع الإستراتيجية والنفطية في المنطقة العربية وبالذات منطقة الخليج العربي وفي العراق على الأخص، فالصراع الوهمي بينهما قائمٌ بهدف تحقيق المنافع السياسية والاقتصادية والعسكرية لكلٍ من النظامين اللذين يهدفان إلى إبقاء المنطقة في دائرة الأزمات دائماً ليحلو لهما اللعب دائماً على إيقاع هذه الأزمات.
يجب أن نستلهم من هذه الذكرى الكثير والكثير، نستلهم منها في حل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحقيق وحدتنا الوطنية لا بتوسيع مشاربنا الطائفية والمذهبية بل برفض الاستفراد واستبدال القرار الوطني بالفعل الطائفي المقيت، وأن نؤمن بأن قضايانا العربية جميعها هي قضية واحدة، وأن نعمل معاً من أجل اجتثاث الطائفية، لنتعلم من هذه الذكرى كيف نتحد لا ننفرد، وأن نقف جميعاً كقوى وطنية وقومية في وجه التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه بلادنا وأمتنا العربية، وضد تصاعد المؤامرات الأمريكية ـ الإيرانية ضد أقطارنا العربية، في العراق وفلسطين ولبنان وفي كافة الأقطار العربية، وأن نقف جميعاً ضد الضغوطات الخارجية التي تتعرض لها أقطارنا العربية عموماً مما أثر على سيادتها واستقلالها وقرارها الوطني القومي، ويجب أن نتراص جميعاً من أجل البحرين وشعبها وعروبتها وسيادتها واستقلالها.
في هذا اليوم ينظر أبناء البحرين بكل الاعتزاز والشموخ لأولئك الرجال الذين وقفوا هاتفين مطالبين باستقلال وطنهم، مناضلين من أجل عروبته وسيادته. فألف تحية لهم والمجد لشهداء بلادنا وأمتنا العربية.