تمر علينا هذه الأيام الذكرى الأربعين لهزيمة الخامس من حزيران 1967، حيث قام الكيان الصهيوني باحتلال الأراضي العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية ومدينة القدس القديمة وسط شلل وعجز القوات العسكرية العربية التي باغتتها الحرب نتيجة لسؤ تخطيط وتقديرات قياداتها وأنظمتها الرسمية، وصمت وتواطوء دوليين، كشفا عن حاجة الأمة الملحة آنذاك لثورة من الداخل، بل ثورات تحمل في أحشاءها التمرد على كل أسباب الهزيمة من فقر وتخلف وقمع وفساد ومصادرة للحريات وتبعية للمستعمر، ثورات تنهض بتنمية وطنية مستقلة بيد، وتحارب المخططات الاستعمارية والصهيونية باليد الأخرى، وكان القائد العربي جمال عبد الناصر رحمه الله قد استوعب دروس الهزيمة وراح يستنهض قوى الشعب العربي في مصر وكافة أقطار الوطن العربي من أجل المقاومة والبناء، إلا أن القدر عاجله، بينما جاء الرد الأبلغ من العراق، حينما فجر حزب البعث العربي الإشتراكي ثورة 17-30 تموز 1968 المجيدة، لتدشن عهد جديد للأمة، عهد البطولة، وتمثل أبلغ رد على هزيمة حزيران ، حيث شهد العراق في السنوات اللاحقة بناء تجربة تنموية وعلمية وعسكرية وطنية مستقلة نقلته إلى مصاف الدول المتقدمة، ومكنت الجيش العراقي من الدفاع عن حياض الأمة وأرضيها المقدسة في الجولان وسيناء ضد الكيان الصهيوني والجبهة الشرقية ضد النظام الملالي الإيراني، ورفع راية تحرير فلسطين وقدم الغالي والنفيس في سبيل تحقيق هذا الهدف وحقق الانتصارات الكبيرة للأمة،و هو ما جعل العراق وقيادته الوطنية والقومية التقدمية هدف دائم للمخططات الأمبريالية والصهيونية المدعومة إقليميا ولا سيما من النظام الإيراني.
أن الصراع الذي تخوضه الأمة في الوقت الحاضر كما كان دائما في حروبها السابقة سواء 48 او56 أو 67 أو 73 او 80 أو 91 أو 2003 ، هو صراع بين خندقين متقابلين: خندق أعداء الأمة من قوى الاستعمار والصهيونية وحلفائها من القوى الطائفية والإنفصالية والأنهزامية وخندق المقاومين في فلسطين المحتلة ولبنان العربي والعراق المقاوم، مع وعينا بحقيقة أن العراق بات يمثل بوابة النصر على هؤلاء الأعداء كونه يتصدى لرأس الأفعى الأمريكية. وهذا الربط مع تشخيص أولويات الصراع يجب ان يمثل لكل شرفاء الأمة حصانة مبدئية من الوقوع في فخاخ وحبائل الأعداء التي سقط فيها الكثيرون وكذلك عدم السماح بخلط الأوراق أو تداخل الخنادق إمعانا في التضليل والخداع من جانب أعداء الأمة.
ولأن ثورة العراق كانت و لازالت رأس الحربة في صراع الأمة ضد أعدائها، فهاهي ذكرى النكسة تمر اليوم وعناصر وعوامل الانهيار الأمريكي البريطاني والحكومة العميلة المجللة بالهزيمة والعار تكاد تكتمل حلقاتها في العراق بفعل ضربات المقاومة العراقية الباسلة، في حين تلجأ القوى الاستعمارية إلى أشكال أخرى من التآمر يجري تطبيقها على الأرض بتفجير الساحات في لبنان وفلسطين وإشعال نار الفتن الطائفية والحروب الأهلية، كما يتم في إطار هذه السياسة الإجرامية توسيع نطاق الإبادة ضد الشعب العراقي ودفع فرق الموت وعصابات الإرهاب للقيام بمزيد من القتل والترويع للناس الأبرياء، والعمل على تغيير مجرى الصراع بتحويله إلى فتنة طائفية تضمن بقاء المحتل وعملائه بعد تفتيت العراق إلى دويلات هزيلة وتذويب هويته العربية القومية، بمشاركة وتواطؤ مكشوف من قبل النظام الإيراني والقوى الطائفية العميلة له.
أن فلسطين كانت وستبقى القضية المركزية للأمة العربية بأسرها، لذلك، فأننا نعلن مجدداً وقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة والتي تعبر عن إرادة هذا الشعب في اختيار النهج والطريق الذي يوصله إلى نيل حقوقه المشروعة في التحرر والاستقلال ورفض محاولات الحصار و الإذعان للإملاءات الأمريكية الصهيونية، ونحن نؤمن بأن وحدة هذا الشعب المجاهد وقواه النضالية وتوجيهه السلاح الفلسطيني إلى العدو الصهيوني وتحريم سفك الدم الفلسطيني هو الطريق الوحيد والصائب لتفويت فرص نجاح مخططات الأعداء، وتقريب ساعات تحرر هذا الشعب الصابر والمجاهد وكسر إرادة المحتلين وإفشال كل مشاريعهم الاستعمارية والعنصرية.
كما أن ما يحصل على أرض لبنان من تصعيد في التأمر الأمريكي الصهيوني الأنعزالي يتجسد اليوم في إقرار المحاكمة الدولية وحرب المخيمات إنما هدفه الحقيقي تصفية المقاومة اللبنانية وبدء تنفيذ مخطط مصادرة حق العودة للفلسطينيين، علاوة على دفع سوريا للعب دور المساهم في تصفية هذه المقاومة، ومحاصرة وضرب المقاومة في العراق وفلسطين تحت غطاء إغراءات التفاوض معها تنفيذ لتوصيات لجنة بيكر وهي توصيات تسعى اليوم لإطلاق يد النظام الأيراني في تصفية المقاومة العراقية وإطلاق يد قواته التي زج فها في جنوب العراق في تعزيز وجوده التوسعي الطائفي في المنطقة استكمالا لاحتلاله عربستان والجزر العربية الثلاث وإطلاق مخططه الطائفي في دول الخليج من خلال أدوار منسقة بالكامل مع القوى الأمبريالية والصهيونية.
أن الأنظمة العربية مارست كافة اشكال القمع والاستفراد والقهر ضد الجماهير العربية للهروب من بناء أية تجارب تنموية مستقلة وللتوغل في التبعية للأجنبي والتواطوء في تنفيذ مخططاته سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين، لذا فأننا نطالب هذه الجماهير وقواها الوطنية والقومية مواصلة نضالاتها الهادفة لنيل حقوقها الديمقراطية والشعبية، ليس كسبيل للتمسك بالثوابت الوطنية والقومية فحسب بل والتمسك بخيار المقاومة والتحرير ، ومواصلة الكفاح من اجل أجل حماية عروبة الوطن الكبير وهويته القومية وتحقيق أهدافه في الوحدة والحرية والتقدم الاجتماعي.