من المقرر أن يعقد في المنامة خلال يومي 11 و 12 نوفمبر 2005 المؤتمر الثاني لمجموعة دول الشرق الاوسط الكبير ( منتدى المستقبل)، وذلك في اطار مبادرة ما يعرف " بالشراكة من اجل الاصلاح والديمقراطية في الشرق الاوسط الكبير" والتي اقرت في قمة دول الثمانية في يونيو 2004م.. كما تعتزم مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني في البحرين وخارجه عقد مؤتمر موازي للمنتدى يومي 7 و 8 نوفمبر لمناقشة رؤاها بشأن القضايا المطروحة في المنتدى بدعم مالي رسمي ووعود بإفساح المجال لعرض تلك الرؤى ضمن أعمال المنتدى الرسمي.
إننا في التجمع القومي الديمقراطي، نرى أن مشروع الشرق الأوسط الكبير هو محاولة استعمارية – غربية لوأد مشروع الأمة العربية لاستعادة حريتها ووحدتها واستئناف تأدية رسالتها الإسلامية الحضارية، وأن منتدى المستقبل – بالتالي – ليس سوى حلقة من حلقات تقوية الهيمنة الإمبريالية على العالم والأمريكية بشكل خاص وإدماج الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، وتسويق مشروع إصلاح و دمقرطة الشرق الأوسط الكبير الذي أصبح مشروعاً إمبريالياً بامتياز. حيت تبحث أمريكا عن تكريس شرعية لنزعتها العسكرية الإمبريالية، في حين تسعى أوروبا للحفاظ على مصالحها الاقتصادية الإستراتيجية في المنطقة. وقد افتضحت زيف كل الشعارات التي ترفعها الإدارة الأمريكية لتحديث المنطقة ووضعها على طريق الإصلاح كما تدعي، وها هو النموذج الديمقراطي الذي تقدمه الولايات المتحدة للشعوب متجسدا بأقبح وأبشع صوره في ديمقراطية صنائع الاحتلال الطالباني والجعفري والحكيم في العراق المحتل، علاوة على جرائم صنيعها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والحريات المغدور بها في معتقلات أبو غريب وغوانتنامو وقصف الامنين في مدن العراق وقصباته تحت ذرائع محاربة الإرهاب.
إلا أن الأهداف التي لا تقل خطورة عما ذكر، هو سعي رعاة مشروع الشرق الأوسط الكبير لتمرير أهدافهم الاستعمارية العسكرية والسياسية تحت غطاء كثيف مما أطلق عليه ب "المبادرات" المدنية والاقتصادية على صعيد القضايا والمعوقات الحيوية المرتبطة بالديمقراطية والحكم الصالح وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني والتنمية والقطاع الخاص والتربية والتعليم والإعلام في دول "الشرق الأوسط" وإغراء الأحزاب والمنظمات غير الحكومية العربية للمشاركة فيها والجلوس جنبا إلى جنب مع وفود الكيان الصهيوني، فهذه القضايا وأن كنا نرى حاجة الأقطار العربية الفعلية للتعاطي بكل جدية معها، الا أن وقوعها ضمن مشروع تهيمن عليه وتقود توجهاته الكلية القوى الاستعمارية يجعل التعاطي معها من قبل من يشاركون فيها خاضع لأهداف هذه القوى وليس أهداف الدول والأحزاب والمؤسسات التي تشارك فيها.
وعلى هذه الأسس – أسس الرفض المبدئي لمشروع الشرق الأوسط الكبير وإفرزاته الخطيرة المتوقعة – يأتي موقف التجمع القومي الرافض للمؤتمر الموازي لمنتدى المستقبل كمشروع وفعالية. فأي مشروع أو فعالية تسعى لدمج منظمات المجتمع المدني في إفرازات مشروع الهيمنة الإمبريالية على العالم، مهما اختلفت المسميات، هي محاولات مرفوضة ونحن نحدر من مخاطرها السياسية والجماهيرية الجسيمة كونها تساهم في تجميل الوحش الذي كشر عن أنيابه لابتلاع المنطقة وخيراتها، وتقدم مشاريعه المشبوهة على أنها ليست كلها شرا، وبالامكان الاستفادة من جوانبها "الخيرة" كما ينادي البعض، بينما تساهم مثل تلك المشاريع والفعاليات من الناحية العملية في دس السم في العسل انطلاقا من فهم سياسي قاصر يفتقد الرؤية القومية الأصيلة للمشاريع الإميريالية وأهدافها الخطيرة الشاملة التي لا تقتصر على بلد عربي دون أخر و صعيد سياسي او اقتصادي او اجتماعي دون أخر أو نشاط مدني وشعبي دون أخر، فهذه المخططات جميعها استعمارية ولا يمكن تجزئتها، وأن الولايات المتحدة وصنيعتها الكيان الصهيوني الغارقان في وحل المقاومة الباسلة في العراق وفلسطين سوف يواصلان السعي الى الترويج لمشاريع مشبوهة تحت مسميات شتى ومغرية لمؤسسات المجنمع المدني العطشى لنيل حقوقها المنهوبة بغية جرها لتوفير الغطاء لأهدافها الخطيرة الحقيقية. ولا أدل على ذلك من البيان الصادر عن المؤتمر الموازي الأول لما سمي بمؤسسات المجتمع المدني في الرباط الذي بدأ بديباجة عريضة ومغرية عن الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان، ولينتهي بتأييد جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق، بل ويدعو الى دعمها، كما يدعم جهود تصفية القضية الفسطينية.
إن إصرارنا على إطلاق التحذيرات من الترويج لإفرازات مشروع الشرق الأوسط الكبير بكل تلاوينها ومغرياتها يزداد اليوم بظل تصاعد جرائم الاحتلال والإبادة الصهيونية في فلسطين المحتلة والأمريكية – البريطانية في العراق المحتل، بينما نرى تهاوي النظام الرسمي العربي وأبسط أشكال مقاومة التطبيع العربية مع الكيان الغاصب، وللأسف فأن ذلك الترويج سوف يضيف بعداً ثالثاً أكثر خطورة ويلحق الضرر بقضايا الأمة.
إن التجمع إذ يسجل موقفه المبدئي الرافض لمشروع الشرق الأوسط الكبير وكل إفرازاته كمنتدى المستقبل ومؤتمره الموازي وتحذيره من مخاطر تشجيعها والترويج لها، إنما يؤكد في الوقت نفسه أن هذا الموقف لا يعني بأي شكل التشكيك في نزاهة ووطنية القوى والمؤسسات السياسية والمدنية المحلية التي تشارك في المؤتمر الموازي، والتي يكن لها التجمع كل الاحترام والتقدير.
إن رهاننا لن يكون يوماً على ما تقدمه القوى الإمبريالية من مشاريع مشبوهة، وإنما على القوى الاجتماعية المندمجة مع برامج القوى السياسية في عموم الوطن العربي والعالم الساعية إلى مواجهة الإمبريالية والعولمة والحرب وكل أشكال التمييز من أجل عالم أفضل.