جاء الاتفاق الإطاري حول إعادة النظر في تقاسم مياه نهر النيل والذي وقعته خمس من دول المنبع وعلى رأسها أثيوبيا، وبغياب مصر والسودان اللذين يتمتعان بحوالي 87 % من المياه حسب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والمعقودة عام 1929 ثم عام 1959، ليكشف جملة حقائق خطيرة:
1. إن هذا الاتفاق الإطاري يؤكد حقيقة طالما حذرنا منها وهي إن الأمن المائي العربي، وهو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي مهدد بتصاعد حال الضعف والتشرذم السائدة في الواقع العربي، لاسيّما حال الاضطراب التي حكمت العلاقات بين مصر والسودان على مدى العقدين الماضيين.
2. إن هذا الاتفاق الإطاري ما كان ممكناً له أن يتم لولا تراجع النظام الرسمي العربي، والنظام المصري تحديداً، عن القيام بدوره الفاعل في الدوائر الإستراتيجية الثلاث التي كان يتحرك داخلها، وهي الدوائر العربية والأفريقية والإسلامية، لاسيّما منذ اتفاقيتي كمب دايفيد عام 1979.
3. إن هذا الاتفاق الإطاري، وأجواء التحدي المرافقة له، لا يمكن فصله عن مخططات التغلغل الصهيوني داخل أفريقيا، لاسيّما مع تراجع الدور المصري والعربي تحديداً، وهي مخططات ذات أبعاد اقتصادية وتجارية وأمنية وثقافية، ترافقت كلها مع مطامع معلنة في جر مياه النيل إلى صحراء النقب وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي كشفت عنها مشاريع طرحها مسؤولون صهاينة على مصر بعد اتفاقيتي كمب دايفيد، كما أعلنها بوضوح رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" في أوائل التسعينات.
ومن مظاهر هذه المخططات ما تشير إليه المعلومات حول الدور التكنولوجي الصهيوني والأمريكي والتمويل الإيطالي لمشروع بناء سدود في أثيوبيا وغيرها من دول المنبع في حوض النيل، بما يعزز حال التناحر والاحتراب المائي بين دول حوض النيل، لاسيّما بين مصر وأثيوبيا اللتين تعتبرا من أكبر الدول الإفريقية واللتين طالما ربطتهما علاقات تاريخية وإستراتيجية ذات بعد حضاري.
4. لقد كشف هذا الاتفاق الإطاري الخطير، الذي وقعت عليه حتى الآن خمس دول من أصل تسعة، والذي يعتبر مخالفاً للاتفاقيات الدولية والقانون الدولي وروح التفاهم والحوار بين دول حوض النيل، عن عقم المراهنة على العلاقات الإستراتيجية مع الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني اللذين تثبت الأحداث والتطورات أن محور سياساتهما كان ولا يزال إضعاف مصر، وكل العرب، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة وعن حجم التنازلات التي تقدمها هذه الأنظمة لصالح السياسات الأمريكية والصهيونية، بل أنها كثيراً ما تستخدم سياسات هذه الأنظمة لتنفيذ تلك المخططات ضد شعوبها وأقطارها.
ما كان لموقعي الاتفاق التجرؤ على ذلك لولا الضوء الأخضر الأمريكي، ولولا التأكد من عدم الرد على أمريكا والكيان الصهيوني ومن مواصلة الرهان على إدارة اوباما، ولولا ما أظهرته الجامعة العربية من تلبية للطلب الأمريكي للعودة إلى المفاوضات غير المباشرة.
إن الإقرار بجملة هذه الحقائق يتطلب بالمقابل القيام بجملة مهام على صعيد الدولتين المعنيتين (مصر والسودان)، كما على صعيد المنظومة العربية والإسلامية بأسرها:
1. أن تسعى مصر والسودان، ومعهما كل الدول العربية والإسلامية والأفريقية المؤثرة، إلى تغليب منطق الحوار والتسوية في علاقاتها مع الدول الموقعة على الاتفاق الإطاري على منطق المحاور والمتنابذة والمتصارعة، فهذه الدول هي جزء من منظومة الجوار الحضاري والعمق الاستراتيجي للأمة العربية التي ينبغي أن تخضع العلاقات معها إلى لغة الحوار والتفاهم لاسيّما في قضية تتصل بالأمن المائي العربي الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.
2. أن تجري الدعوة إلى اجتماعات عاجلة طارئة على مستوى القمة أو الوزراء المعنيين سواء في جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو الاتحاد الإفريقي بهدف احتواء هذا الخلاف وإيجاد الحلول المناسبة له ضمن احترام المصالح والسيادات المشتركة للدول المعنية، كما من خلال الاحتكام إلى المعايير والاتفاقات والقوانين الدولية المعتمدة وذات الصلة.
3. أن تنعقد قمة عربية طارئة تحت عنوان وحيد هو "الأمن القومي العربي" من أجل وضع الاستراتيجيات والخطط والآليات الكفيلة بصون الأمن القومي العربي، والأمن المائي العربي، وأن تتم مواجهة عملية ومتكاملة لواقع التغلغل الصهيوني في أفريقيا، كما في دول إسلامية وأسيوية وأمريكية لاتينية، انطلاقاً من جملة معطيات إستراتيجية واقتصادية وتاريخية وحضارية يمتلكها العرب في علاقاتهم مع هذه الدول.
4. أن تسعى حكومتا مصر والسودان، كما كل الحكومات العربية، إلى وضع خطط علمية وعملية للاستفادة من الثروات المائية الكبرى التي تمتلكها، وللحيلولة دون الهدر الكبير الحالي في الموارد المائية، الظاهرة منها والجوفية، بما يحقق التكامل المائي بين أقطار الأمة من جهة، وعلى نحو يجعل الأمة بمنأى عن حروب المياه من جهة أو عن استخدام المياه للضغوط والابتزاز السياسي.
إن المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي – الإسلامي، والمؤتمر العام للأحزاب العربية إذ تهيب بالأمة العربية أن تدرك حجم المخاطر التي تواجهها على كل صعيد، لاسيّما على صعيد الأمن المائي العربي، وخصوصاً في حوض النيل، فإنما يؤكد من جديد أن الضمانة الرئيسية لنهوض أمتنا في مواجهة كل التحديات والتهديدات والمخططات المعادية تكمن في تغليب منطق الوحدة على التجزئة، ومنطق التضامن على التشرذم، ومنطق التلاقي على التناحر، ومنطق التكامل على التنابذ، ومنطق المشاركة الشعبية على الاستئثار والاستبداد السلطوي.
التاريخ: 20/5/2010
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.