اليوم التاسع من نيسان- أبريل- يكون مر على احتلال بغداد أحد عشر عاماً، حيث يستذكر العالم أكبر جريمة عرفها تاريخ العصر الحديث- طالت الإنسان والعمران في هذا البلد العربي، بل وطالت كل مقومات الوجود والحياة فيه.
في مثل هذا اليوم زحفت جحافل العدوان والاحتلال الأمريكي في اتجاه بغداد العروبة والمجد لاحتلالها- لتكون شاهداً على صور النهب والسلب والتنكيل وسرقة وطناً كاملاً في وضح النهار على يد الغزاة المجرمين الذين جاءوا تحت دعاوي كاذبة ومزاعم تحريره من الدكتاتورية، ولكن كل ما قاموا به هؤلاء الأوباش أنهم حرروه من قيمه وثرواته وحضارته وتاريخه وحرقوا الحرث والنسل، وأشعلوا نار الفتن الطائفية والعرقية وجعلوا الشعب العراقي وقود لها، ونشروا الفوضى والخراب بعد ان أقدموا على تدمير الدولة العراقية وتفكيك كل المؤسسات فيها وفي المقدمة منها الجيش العراقي، ثم إتباعهم إستراتيجية تقوم على الإرهاب والعقاب الجماعي ومحاولة ترويع نفوس المواطنين العراقيين لإجبارهم على قبول الاحتلال والتعايش مع أهدافه الإجرامية المتمثلة في تقسيمه ونهب ثرواته الوطنية وإلغاء هويته الوطنية والقومية، وهي أهداف تؤكد حقيقة ان احتلال العراق وتقسيمه لم يكن مشروعاً أمريكيا صرفاً، بل هو نتاج مخطط صهيوني تلاقت فيه مصالح الأنكلو أمريكية الصهيونية مع بعض الأطراف الإقليمية، خاصة النظام الإيراني لتنفيذ مخطط غزو العراق وإسقاط نظامه الوطني القومي، بالإضافة الى تواطؤ بعض الدول العربية التي سهلت عبور قوات الاحتلال المعتدية الغازية عبر أراضيها وأجواءها التي تحولت الى قواعد انطلاق لدول العدوان.
وهكذا كانت نتيجة كل ما حصل هو خروج العراق من المعادلة القومية وتحوله الى شوكة في خاصرة الأمن القومي العربي، وكان واضحاً ان احتلال هذا القطر العربي المحوري وإخراجه من معادلة الصراع العربي الصهيوني بعد إخراج مصر سيكون بداية استهداف الامة العربية بجميع أقطارها- وفرض المهانة والذل عليها ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية وكسر المقاومة العربية أينما كانت.
وكان قرار وفعل المقاومة العراقية البطلة هو الرد الذي أظهر معدن وخصائص الشعب العراقي- الرافضة للذل والاحتلال، واستطاعت المقاومة الوطنية بتضحياتها الجسام قلب الطاولة على رؤوس الغزاة وإدخالهم في نفق استنزاف خطير للقوات والجيوش المحتلة، سرعان ما قادهم للبحث عن مخرج للهروب من هذا البلد مهزومين، وبذلك تكون المقاومة العراقية التي فاجأت الجميع بما فيها القوات الغازية المحتلة قد أنزلت الهزيمة بالعدو المحتل وحولت وجوده الى مستنقع اغرق الولايات المتحدة الأمريكية راسمة بذلك المفصل الحاسم في بداية الانحدار الأمريكي على كل المستويات السياسية والاقتصادية.
أما العراق الذي كان بدولته الوطنية القوية المهابة، يمثل أحد أبرز وجوه الحضور العربي على الساحة الإقليمية والدولية، وبعد ان كان الضمانة والحماية للأمة في وجه كل النزعات التوسعية والطموحات العدوانية، فقد تحول اليوم الى أحد بؤر الاضطرابات والفتن وصارت الأوضاع فيه خطراً يهدد الأمن الإقليمي والسلم العالمي، كما تحول هذا البلد الى ساحة من ساحات الإرهاب بكل تفرعاته ووكراً للقوى الإرهابية التكفيرية من "القاعدة" الى "داعش" و "النصرة" وغيرها من مليشيات القتل، ولم تبرءا العصابات الحاكمة من الوقوف وراء هذه القوى مستخدمة إياها في تصفية الحسابات السياسية فيما بينها. ولم يعد يمر يوماً على العراقيين الأبرياء دون ان يسقط منهم قتلى وجرحى جراء السيارات المفخخة، ولم تنجو حتى دور العبادة من هذه العمليات الإجرامية، وهكذا فأن العراق "الديمقراطي" الذي بشرت به الولايات المتحدة تحول الى مقبرة كبيرة وساحة للموت والدمار، كما صار مرتعاً للنهب والفساد والسرقات تحت غطاء العملية السياسية الطائفية الفاسدة التي أرسى دعائمها المحتل.
إننا في هذه الذكرى الأليمة، وفي ظل ما تعانيه الأقطار العربية من صراعات سياسية ونزاعات طائفية، تستهدف وحدتها الوطنية وهويتها القومية، ندعو الى التمسك بثوابت الأمة والإيمان بوحدة نضالات قواها الوطنية على مختلف مشاربها لمواجهة كافة المخاطر والتحديات، كما نؤكد على أهمية حماية الوجود القومي، وصون عروبة ووحدة الأقطار العربية، والتصدي لكل مصادر وجذور الفتن والاحتراب الداخلي لحماية الجبهات الداخلية، وانه لا سبيل الى ذلك سوى طريق تجاوب الأنظمة والحكومات مع مطالب وطموحات شعوبها المتطلعة الى الديمقراطية والحرية والعدالة لكل المواطنين، ويبقى الخيار الوطني الديمقراطي هو الخيار الوحيد على مستوى كل بلد وعلى مستوى الأمة من اجل ضمان تحصين المواطن والوطن من كل النزعات والعصبيات الطائفية والعرقية، وإفشال كل المؤامرات والتحديات مهما كبرت وتعددت مصادرها.
التجمع القومي الديمقراطي
9 ابريل 2014م