
مع حلول العام الجديد يتقدم التجمع القومي الديمقراطي إلى شعبنا وجماهير أمتنا العربية وإلى البشرية جمعاء وخاصة الطوائف المسيحية التي تحتفل بأعياد الميلاد بخالص الأمنيات وصادق الدعوات بأن يكون العام الجديد عام خير وسلام يعم على الجميع.
لقد مضى عام 2015 وهو مثقل بالأحداث والتطورات وتفاقم الصراعات التي أدت إلى تغير الكثير من المعادلات السياسية وقلبت الأوضاع في العديد من الدول رأسا على عقب خاصة الدول العربية التي استمرت ترزح تحت افرازات وتداعيات الثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية التي اجتاحت هذ الدول من أجل الحرية والعدالة والتخلص من نظم الاستبداد والفساد، وانسداد الأفاق أمام هذه الثورات بعد أن عملت الأنظمة على توظيف كل إمكانياتها وخبراتها لإجهاضها وفتح الطريق أمام قوى الثورة المضادة الرافضة للإصلاح والتغيير والكارهة للحرية والديمقراطية واطلاق العنان للاستنفار الطائفي والحشد المذهبي لتشويه المطالب الوطنية ثم يأتي الدور المكمل لقوى التطرف والإرهاب التي قامت باختطاف تلك الثورات والانحراف بها عن مسارتها الوطنية والزج بها في أتون المحارق الطائفية والمذهبية.
على الصعيد الوطني أنقضى العام ولا زالت بلادنا تئن تحت أحداث أمنية وسياسية وحقوقية واقتصادية واجتماعية صعبة، ولا زالت هذه التطورات تلقي بظلالها على المشهد الوطني العام وتحول دون فتح أي افاق جديدة أو مسارات ايجابية يمكن أن تأخذ بيد بلدنا إلى نهاية الأزمة السياسية والدستورية التي دخلت عامها الخامس، وهو ما يعني أن بلدنا لا زال قابعاً في ذات المربع الخانق للأزمة التي تزداد تأزماً بمرور الوقت وتستولد أزمات أخرى بفعل التجاذبات الداخلية والارتدادات الخارجية التي تفرزها الصراعات الإقليمية والدولية وتنامي الخطابات الطائفية المحرضة على الكراهية والأقصاء والمسؤولة عن تمزق النسيج الاجتماعي وضرب وحدتنا الوطنية.
أمام هذه الصورة التي لا تبعث على التفاؤل ليس أمامنا سوى التطلع والتمني بأن يحمل العام الجديد معه بعض من بصيص الأمل في طريقة مقاربة الأزمة المستفحلة في البلاد من جانب السلطات الرسمية والانتقال من حالة العناد والتصلب إلى حالة أكثر حكمة وعقلانية، عبر اللجوء إلى تنشيط مسار الحوار الوطني الجاد والقادر على أيصال كل الأطراف إلى محطة الحلول السياسية الوطنية التي من شأنها أن تنهي حالة الاستنزاف التي يعاني منها بلدنا على مختلف الأصعدة والمستويات.
ولن يكون هذا الطريق ممكناً وسالكاً دون توفر الإرادة السياسية لدى السلطة واقدامها على عدد من الخطوات الإيجابية لتبريد الساحة، وأشاعة أجواء من الأمل والثقة بالتخلى عن الخيارات الأمنية التصعيدية التي تعرقل مسار الحوار السياسي الوطني القادر على وضع البلاد على سكة الأمان والاستقرار وتحصين وضعنا الداخلي من كل المخاطر والتحديات.
ولعل أحد أهم هذه الخطوات المطلوبة الكف عن محاولات محاصرة العمل السياسي وتضيق الخناق على الجمعيات السياسية المعارضة وكذلك اطلاق سراح المعتقلين السياسين من سجناء الرأي وفي المقدمة منهم قادة الجمعيات السياسية والأطفال والنساء إضافة إلى تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الأنسان التي طالبت جميعها بضرورة أجراء اصلاحات سياسية ودستورية وحقوقية يمكن أن تسهم في بناء وضع سياسي ديمقراطي تعددي يعزز قيم الحريات وحقوق الأنسان والمواطنة المتساوية وبما يلبي طموحات وتطلعات أبناء شعب البحرين بكل مكوناته وأطيافه السياسية والاجتماعية بعيداً عن كل نزعات التفرد والأقصاء، وبما يسمح بالتفرغ للبناء والتنمية ومعالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعاني منها البلد في ظل انخفاض أسعار البترول، وتوقع ارتفاع الدين العام إلى 10 مليارات دينار، وهي أوضاع تدفع بالبلاد إلى مهاوي خطيرة ويكون المواطن أول ضحاياها وتحميله وحده تداعياتها الكارثية، الأمر الذي يجعلنا نطالب السلطة بإعادة النظر في طريقة تعاطيها مع الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة، ووقف تحميل اقتصاد البلاد نفقات إضافية ناتجة عن الأزمة السياسية واستمراريتها حتى الأن دون حل خاصة في المجالات الأمنية والعسكرية وكذلك دعم الشركات الكبيرة مثل النفظ والغاز وهي الشركات التي تحقق في الواقع أرباحاً تنفي حاجتها لمثل هذا الدعم.
كما يجب على الدولة أن تقوم بإخضاع عملية إدارة الدين العام إلى هيئة مستقلة يشارك فيها خبراء من خارج الحكومة، ووضع برنامج أو خطة توضح فيها التزامات الحكومة بالعمل على إعادة هيكلة أو تخفيض الدين العام خلال سنوات محددة.
أما على الصعيد القومي فأننا نأمل أن يحمل العام الجديد بعض من نقاط الضوء في نهاية النفق المظلم والطريق المسدود الذي يحول دون وصول جماهير أمتنا العربية إلى أهدافها المشروعة في تحقيق الحرية والعدالة والكرامة وهي الأهداف التي من أجلها فجرت ثوراتها وبناء أنظمة سياسية ودول ديمقراطية قوية قادرة على الحفاظ على سيادتها واستقلالها وتمكن الشعوب والقوى السياسية الوطنية الديمقراطية المؤمنة بالعمل السلمي والحضاري من استعادة زمام المبادرة وتصحيح مسار الثورات والانتفاضات وأبعادها عن كل أشكال العنف والتطرف والعسكرة ومواجهة قوى الإرهاب التي استطاعت التوغل بين صفوفها واختطافها وادخال الأقطار العربية في حروب أهلية وفتن طائفية قتلت وشردت مئات الألوف من الأبرياء ودمرت كل مقومات الحياة فيها كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
أننا في العام الجديد نجدد دعمنا لكل المطالب والأهداف المشروعة التي نادت بها الجماهير المنتفضة الرافضة للظلم والاستبداد والفساد والمتطلعة إلى بناء دول تقوم على مبادئ الحرية والمساواة والمواطنة والقانون.
كما نؤكد على ضرورة المحافظة على وحدة وسيادة كافة الأقطار العربية ورفض كل التدخلات الخارجية في شؤونها ورفض كل دعوات التقسيم والانقسام على أسس طائفية أو عرقية.
وحول قضايا الأمة نجدد موقفنا الثابت والمبدئي من القضية الفلسطينية ودعمنا لنضال الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب وندعو إلى وحدة القوى الفلسطينية لمواصلة نضالها بكل الوسائل المشروعة لأفشال مخططات العدو وجرائمه وتحرير الأرض وأقامه دول فلسطين وعاصمة القدس الشريف.
ونأمل أن يشهد العام الجديد بدايات السلام والحلول لكل الأزمات والكوارث التي نزلت بالأقطار العربية ووقف مسلسل الحروب والصراعات التي دمرت أسس الحياة فيها كما هو الحال في العراق الشقيق الذي لازال يدفع أثمان مكلفة جراء الاحتلال الأمريكي الصهيوني وتداعياته المدمرة ونؤكد وقوفنا إلى جانب الشعب العراقي في نضاله ومقاومته من أجل حريته وسيادته ومن أجل عودته إلى عروبته وتخلصه من كل الزمر الفاسدة الحاكمة والمتحكمة في العراق.
وفي سوريا نتطلع أن يكون صدور قرار مجلس الامن الأخير رقم 2254 حول أنهاء القتال في سوريا والدخول في مفاوضات بين النظام والمعارضة بداية الشروع في الوصول إلى تسوية سياسية تضمن حقن دماء الشعب السوري وبقاء سوريا دولة موحده ومستقلة وتضمن أيضا تحقيق مطالب السوريين في بناء دولة مدنية تعددية وديمقراطية تصون حقوق كل مكونات الشعب السوري وتعزز سيادة واستقلال هذا البلد العربي المحوري وانهاء كل التدخلات الخارجية في شؤنه الداخلية والتوحد في مواجهة كل القوى والتنظيمات الإرهابية الإجرامية مثل داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات التكفيرية الوحشية التي استطاعت التمدد في دول المنطقة والقيام بالعديد من الجرائم واحتلال مساحات واسعة من إراضي بعض الدول العربية مثل سوريا والعراق وليبيا.
وفي اليمن الشقيق نأمل أن يتوقف القتال فوراً وأن يكون هناك توجه جاد وحقيقي نحو السلام وعودة الوئام بين مكونات الشعب اليمني من خلال المفاوضات التي بدأت في جنيف مؤخراً وتؤكد على أهمية المحافظة على وحدة اليمن ووحدة شعبه وإقامة نظام سياسي ديمقراطي عادل يستجيب لتطلعات الشعب اليمني ويصون حقوقه كافة.
وبالرغم من قساوة الأوضاع في كافة الأقطار العربية وبالرغم من قتامة الصورة وثقل تركة الاعوام المنصرمة وما خلفته من تحديات ومخاطر على حاضر ومستقبل الدول العربية. بالرغم من كل ذلك فأننا لا نزال على ثقة في قدرة جماهير الأمة وقواها الوطنية والقومية المؤمنة بالقيم الديمقراطية والإنسانية على أنجاز هدف الإصلاح والتحول الديمقراطي وبما يفتح الطريق أمام هذه الدول للنهوض وعودة الاستقرار وبناء أنظمة ديمقراطية على انقاض أنظمة التسلط والاستبداد وكل قوى التخلف والظلام والطائفية المسؤولة جميعها عن كل المعاناة والكوارث التي حلت بهذه الأمة على مدى عقود طويلة.
التجمع القومي الديمقراطي
2 يناير 2016